الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أن عدم إجابة الله لدعائك لا يعني نفاقك كما لا يعني بالضرورة سخطه عليك؛ بل قد يكون ذلك لرضاه عنك أو من فضله عليك ورحمته بك بأن يصرف عنك شرا لم تكن لتطيقه، أو بأن يدخر لك من الخير الآجل ما هو أفضل لك، أو بأن يغفر لك ذنبك. فقد روى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ الدَّعَوَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا ".. الْحَدِيثَ. وبوب لذلك بقوله: بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ مُسْتَجَابَةٌ.
قال ابن رجب في جامعه: وجاء في الآثار: إنَّ العبد إذا دعا ربَّه وهو يحبُّه، قال: يا جبريلُ، لا تَعْجَلْ بقضاءِ حاجة عبدي، فإنِّي أُحبُّ أن أسمعَ صوتَه، وقال تعالى: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، فما دام العبدُ يُلحُّ في الدُّعاء، ويَطمعُ في الإجابة من غير قطع الرّجاء، فهو قريبٌ من الإجابة، ومَنْ أَدمن قرعَ الباب، يُوشك أنْ يُفتح له، وفي " صحيح الحاكم "عن أنسٍ مرفوعاً: لا تَعجزوا عن الدُّعاء، فإنَّه لن يَهلِكَ مع الدُّعاء أَحدٌ.اهـ
فعليك أن تعرض عن هذه الوساوس وتكثر من الاستعاذة بالله من شر النفس والشيطان، فدواء الوسواس الإعراض وداوم على التلاوة وقيام الليل والأذكار.
واعلم أن من الواجب على المؤمن أن يحسن الظن بربه، وأن من أسباب إجابة الدعاء أن لا يتعجل الإجابة لِحَدِيثِ: يُسْتَجَاب لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَقُلْ دَعَوْت فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي . أَخْرَجَهُ مَالِك. وأن يعزم المسألة ويعظم الرغبة ويلح في الدعاء ويكرره ولا يقنط من رحمة الله ؛ فإن الله قال: وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ] {يوسف:87} وأَنْ يَكُون طَيِّب الْمَطْعَم وَالْمَلْبَس، ثم عليك الرضا بقدر الله على كل حال فهو خير لك وفي مسند احمد: عَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنْ الْقَدَرِ فَأَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ لَهُمْ خَيْرًا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَكَ جَبَلُ أُحُدٍ أَوْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَأَنَّكَ إِنْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا دَخَلْتَ النَّارَ. اهـ
ثم إن الظاهر أن ما يقع لك ليس من السحر فإن له علامات قد يعرف بها وأنت لا تشكو من شيء منها.
والله أعلم.