خلاصة الفتوى:
من البرّ أن يلزم الولد والده المريض، وأن يقوم على تمريضه بنفسه، ولا يسافر الولد سفراً غير واجب إلا بإذن والده، وعلى الوالد العدل بين أولاده في الهبة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبالنسبة للشق الأول من السؤال نقول في الإجابة عليه: إن للأب على أولاده حقاً عظيماً بلغ من عظمته أن قرن الله جل وعلا حق الوالدين بحقه تعالى، فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وقال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، ويعظم حقهما بتقدمهما في العمر واحتياجهما لرعاية الولد، كما قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}، فليلزم الأخ السائل والده المريض، وليصبر على تصرفاته وطلباته، فلطالما صبر هذا الأب على ولده وتصرفاته، ولطالما سهر الليالي بسبب مرض ولده، وليس جزاء الإحسان إلا الإحسان، وإذا كان والد السائل يرفض سفره ويأمره بالبقاء عنده فإن من البر الاستجابة له وترك السفر؛ وإن وجد من يقوم بأمر والده ويتولى تمريضه والقيام بشؤونه، وقد نص العلماء على أن للوالد منع ولده من سفر الطاعة كجهاد التطوع وحج التطوع ونحو ذلك، فأولى سفره لطلب العلم الذي لا يكون فرض عين على الولد. جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي: قال أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يغزو وله والدة، قال: إذا أذنت له وكان له من يقوم بأمرها. وقال في رواية: يَظهر سرورها.اهـ
وعليه؛ فالذي يظهر لي أن الولد لا يسافر للغرض المذكور إلا بإذن ولده.
وأما عن جواب الشق الثاني من السؤال فليعلم السائل بأن العدل الذي يتساءل عنه هو مساواة الوالد بين أولاده ذكوراً وإناثاً في العطية فلا يفضل أحداً منهم على أحد، لحديث: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه. وحديث: سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثراً لأحد لآثرت النساء على الرجال. رواه البيهقي. واختلف العلماء في صفة العدل فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: يسوي بين الذكور والإناث في العطية، واستدلوا بالحديثين المتقدمين، وذهب آخرون إلى أنه تكون العطية في الحياة على نسق الميراث فيعطى الذكر مثل حظ الأنثيين، والمذهب الأول هو الراجح من حيث الأدلة وكثرة القائلين به، وعلى هذا التفصيل يعرف السائل كيف يحقق والده العدل في العطية والهبة، وإذا كان قد عدل بينهم في الهبة عدلاً تاماً ثم ارتفعت قيمة ما وهب لبعضهم بعد ذلك لسبب ما فلا يقدح هذا في العدل ويفوز بها الموهوب له. وراجع في شروط الهبة ونفاذها الفتوى رقم: 75302.
والله أعلم.