الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فان معنى البر والإحسان إلى الوالدين: معاشرتهما بالمعروف والتواضع لهما وامتثال أمرها، وسائر ما أوجبه الله على الولد لوالديه من الحقوق. كذا قال القرطبي.
ومعنى قوله: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما: أي إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما الذي ليس دين الإسلام، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً، أي محسناً إليهما. كذا قال ابن كثير.
وأما الأقربون فهم الأرحام ويقدم أقربهم على من بعد ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رجل: يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة: قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك.
وفي سنن النسائي عن طارق المحاربي قال قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول: يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك. والحديث صححه الألباني.
وفي الحديث: إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثلاثا، إن الله تعالى يوصيكم بآبائكم مرتين، إن الله تعالى يوصيكم بالأقرب فالأقرب. رواه أحمد وابن ماجه والبخاري في الأدب وصححه الألباني.
قال النووي في شرح مسلم: قال أصحابنا يستحب أن تقدم في البر الأم ثم الأب ثم الأولاد ثم الأجداد والجدات ثم الإخوة والأخوات ثم سائر المحارم من ذوي الأرحام كالأعمام والعمات والأخوال والخالات ويقدم الأقرب فالأقرب ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بأحدهما ثم بذي الرحم غير المحرم كابن العم وبنته وأولاد الأخوال والخالات وغيرهم ثم بالمصاهرة ثم بالمولى من أعلى وأسفل ثم الجار ويقدم القريب البعيد الدار على الجار وكذا لو كان القريب في بلد آخر قدم على الجار الأجنبي وألحقوا الزوج والزوجة بالمحارم والله اعلم. اهـ
و قال المناوي في شرحه لحديث إن الله يوصيكم بأمهاتكم: إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب من النسب قال ذلك مرة واحدة إشارة إلى أن حقهن وإن كان متأكدا فهو دون تأكد حق الأبوين وكرر الفعل مع المؤكد حثا على الاهتمام بالوصية ولم ينص في الأخيرة على عدد لفهمه مما قبله قال الشافعية فيقدم في البر الأم فالأب فالأولاد فالأجداد فالجدات فالإخوة والأخوات ويقدم من أدلى بأبوين على من أدلى بواحد ثم تقدم القرابة من ذوي الرحم وتقدم منهم المحارم على غير المحارم ثم سائر العصبات ثم المصاهرة ثم الولاء ثم الجوار وهذا الترتيب حيث لا يمكن إيصال البر دفعة واحدة كما مر وإنما قدم الولد الصغير في النفقة لأن مبنى التقديم فيها على الأحوجية مع الأقربية بدليل عدم دخول حجب النقصان فيه مع وجود الأبوين.اهـ
وللعلماء في الرحم التي يطلب وصلها رأيان: الأول: أن الصلة خاصة بالرحم المحرم دون غيره، وهو قول للحنفية، وغير المشهور عند المالكية، وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة،. قالوا: لأنها لو وجبت لجميع الأقارب لوجب صلة جميع بني آدم، وذلك متعذر، فلم يكن بد من ضبط ذلك بقرابة تجب صلتها وإكرامها ويحرم قطعها، وتلك قرابة الرحم المحرم. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها وأختها، فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم. الثاني: أن الصلة تطلب لكل قريب، محرما كان أو غيره، وهو قول للحنفية، والمشهور عند المالكية، وهو نص أحمد، وهو ما يفهم من إطلاق الشافعية، فلم يخصصها أحد منهم بالرحم المحرم. انتهى من الموسوعة الفقهية.
والله أعلم.