الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالشعر هو الكلام المقفى الموزون على سبيل القصد، والغناء من الصوت ما طرب به كما قال صاحب القاموس، فقد يكون بشعر وقد يكون بغيره، كما أن الشعر قد يؤدى بلحن وغناء وقد يلقى إلقاء مجرداً عن ذلك، ومن ذلك يعلم العلاقة بينهما... ومن جهة الحكم الشرعي فأكثر أهل العلم على أن الشعر بمنزلة الكلام، حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام، فما كان منه حكمة أو موعظة حسنة، أو دفاعاً عن حق، أو إبطالا لباطل، أو نحو ذلك من وجوه الخير فهو خير، وما كان منه كذباً أو نصراً لباطل، أو إبطالاً لحق، أو ثناء على أهل الشر، أو ذماً لأهل الخير أو نحو ذلك فهو شر... لكن مع ذلك يكرهون الاستكثار منه.
فعند المالكية: يكره الإكثار من الشعر غير المحتاج إليه لقلة سلامة فاعله من التجاوز في الكلام لأن غالبه مشتمل على مبالغات، روى ابن القاسم عن مالك أنه سئل عن إنشاد الشعر فقال: لا تكثرن منه فمن عيبه أن الله تعالى يقول: وما علمناه الشعر وما ينبغي له...
وعند الحنفية أن المكروه من الشعر ما داوم عليه الشخص وجعله صناعة له حتى غلب عليه وشغله عن ذكر الله تعالى وعن العلوم الشرعية، وما كان من الشعر في وصف الخدود والقدود والشعور، وكذلك تكره قراءة ما كان فيه ذكر الفسق والخمر.
أما الغناء فقد سبق تفصيل القول فيه فراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 38878، 5282، 19007، 669، 2351.
وفي الفتاوى الهندية: اختلفوا في التغني المجرد، قال بعضهم إنه حرام مطلقاً والاستماع إليه معصية وهو اختيار شيخ الإسلام ولو سمع بغتة فلا إثم عليه.. ومنهم من قال: لا بأس بأن يتغنى ليستفيد به نظم القوافي والفصاحة ومنهم من قال: يجوز التغني لدفع الوحشة إذا كان وحده ولا يكون على سبيل اللهو وإليه مال شمس الائمة السرخسي. انتهى.
وأما الآية المذكورة فالذي يظهر لنا أنها لا تدل على تحريم الغناء.. فإن هذه الآية نزلت كما يقول المفسرون في شعراء المشركين عبد الله بن الزبعري ونافع بن عبد مناف وأمية بن أبي الصلت وأبي عزة الجمحى. والذين استثناهم الله بعد هاتين الآيتين في قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ {الشعراء:227}، هم حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن على شاكلتهم ممن يقولون الحق... والمراد منها ذم عدم ثبات الشعراء على مبدأ واحد، وتكسبهم بالشعر دون اهتمام بصدق ما يقولون أو كذبه، ومدحت الآية الآخيرة من يتقون الله في أقوالهم ويذكرون الله في أشعارهم، وهدفهم الدفاع عن الحق والتبرئة مما ينسب إليهم من باطل.
والله أعلم.