خلاصة الفتوى:
لقد أخطأت والدة زوجك فيما ذكرته عنها، ولكن خطأ زوجك في المشاجرة معها والصراخ في وجهها ومقاطعتها أعظم من خطئها بكثير.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فليس من شك في أن ما ذكرته عن أم زوجك من إيثار ولدها الآخر عليه، ومن الغلظة في وجهه والحرص على أن يبقى بعيداً عنها، ومحاولة منعه من حقه في السكن في المنزل الذي له سهم فيه... يعتبر ظلماً ولا يجوز، ولكن ما ذكرته عن زوجك من العتاب لوالدته والتشاجر معها، والصراخ في وجهها، ثم ينتهي به الأمر إلى أن يقاطعها ولا يكلمها... نقول: إن هذا الذي ذكرته عن زوجك هو خطأ فادح وذنب كبير والعياذ بالله، فإن حق الوالدين هو آكد الحقوق بعد حق الله تعالى، لأنهما بذلا في سبيل تربية الولد من الجهد ولقيا في ذلك من المشقة مالا يعلمه إلا الله، فلهذا قال جل وعلا: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، وقال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}، وهذا حق تنادي به الفطرة ويوجبه العرفان بالجميل، ويتأكد ذلك في حق الأم، فهي التي قاست من آلام الحمل والوضع والإرضاع والتربية... ما قاست، ولهذا قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا {الأحقاف:15}، وفي الصحيحين عن أبي هريرة: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر بل جعل مرتبته بعد الشرك بالله تعالى، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. ولا شك أن هجر الأم ومقاطعتها يمثل أعلى مراتب العقوق، لذلك فهو أمر محرم تحريماً مغلظاً، وعليه، فالواجب على زوجك هو أن يبادر إلى التوبة مما هو فيه من العقوق لأمه ويطلب عفوها، فأنت -إذاً- مصيبة فيما ذكرت أنك فيه من الخوف من غضب الله تعالى على زوجك، وليعلم زوجك أنه لا قدرة له على غضب الله، ونسأل الله أن يسلك بنا وبكم سبل النجاة، ويهدينا وإياكم سواء السبيل.
والله أعلم.