خلاصة الفتوى: الأصل أن مخالفة الدين وتحكيم القانون لا تجوز، ومن أكره على شيء من ذلك فإن الحرج مرفوع عنه بشرط أن يكون الإكراه ملجئا.
فمخالفة الدين والاحتكام إلى القانون حرام، ومنافية للإيمان. قال تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لله {يوسف: 40-67}. وقال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65} وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ {المائدة:44}. وقال: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {المائدة:45}. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ {المائدة:47} إلى غير ذلك من الآيات الصحيحة الصريحة في هذا الموضوع.
ولكن الله جل وعلا قد رفع الحرج عمن أكره على مخالفة الدين إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان. فقد أخرج البيهقي والحاكم واللفظ له، عن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه، قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر، فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتهم بخير، ثم تركوه. فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عليه الصلاة والسلام: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تُركت حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير. قال: فكيف تجد قلبك؟ قال: مطمئنا بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد.
وحادثة عمار هذه قد ذكر أهل التفسير أنها هي سبب نزول قول الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ {النحل:106} .
والله أعلم.