الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن العلاقة الكبرى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أمته هي كونه رسولا من الله إليهم، فقد قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ {الأعراف:158}، وقال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا {المزمل:15} فهو رسولنا وقدوتنا وشفيعنا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.
وأما أخوته فقد دلت عليها النصوص؛ كما في عموم قوله تعالى: إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10} وفي الحديث: وددت أنا قد رأينا إخواننا. رواه مسلم .
وثبتت أبوته لنا كذلك؛ كما في الحديث: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم. رواه أبو داود وحسنه الألباني.
وقال البيضاوي في تفسيره القراءة الشاذة: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم: أي في الدين، فكل نبي أب لأمته من حيث إنه أصل فيما به الحياة الأبدية، ولذلك صار المؤمنون إخوة.
وهذه الأبوة ليست للنسب، لقوله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب:40} ولأنه صلى الله عليه وسلم تزوج عدة نساء ولم يعتبرن من بناته وبنات إخوته المحرمات عليه لأن الأبوة والأخوة إنما هي أخوة وأبوة من ناحية الدين والشفقة والرحمة.
وقد روى ابن سعد في الطبقات أنه صلى الله عليه وسلم خطب عائشة، فقال أبو بكر: أي رسول الله؛ أيتزوج الرجل ابنة أخيه؟ فقال: إنك أخي في ديني. قال: فزوجها إياه..
وقال المناوي في شرح حديث أبي داود: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد في الشفقة والحنو لا في الرتبة والعلو، وفي تعليم ما لا بد منه، فكما يعلم الأب ولده الأدب فأنا أعلمكم ما لكم وعليكم.
وقد ذكر الألوسي في تفسير آية الأحزاب: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ {الأحزاب:40} أنه استدرك من نفي الأبوة الحقيقية الشرعية التي يترتب عليها حرمة المصاهرة إلى إثبات أبوته اللغوية المجازية في وجوب تعظيمه وتوقيره من ناحيتنا وفي شفقته ونصحه لنا.
والله أعلم.