الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد نص بعض أهل العلم على أن رواية الفاسق لا ترد مطلقا ولا تقبل مطلقا ، بل يتثبت فيها كما أمر بذلك القرآن في قول الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ الحجرات 6 ]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " الجواب الصحيح " معلقا على هذه الآية : (فأمر بالتبين والتثبت إذا أخبر الفاسق بخبر ولم يأمر بتكذيبه بمجرد إخباره لأنه قد يصدق أحيانا فلما أمر سبحانه بالتبين والتثبت في خبر الفاسق دل ذلك على أنه لا يجوز تصديقه بمجرد إخباره إذ كان فاسقا قد يكذب ولايجوز أيضا تكذيبه قبل أن يعرف أنه قد كذب وإن كان فاسقا لأن الفاسق قد يصدق ) اهـ .
وقال ابن القيم في كتابه " مدارج السالكين " معلقا على هذه الآية أيضا :( وههنا فائدة لطيفة . وهي أنه سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق وتكذيبه ورد شهادته جملة، وإنما أمر بالتبين. فإن قامت قرائن وأدلة من خارج تدل على صدقه عمل بدليل الصدق ولو أخبر به من أخبر . فهكذا ينبغي الاعتماد في رواية الفاسق وشهادته وكثير من الفاسقين يصدقون في أخبارهم ورواياتهم وشهاداتهم ، بل كثير منهم يتحرى الصدق غاية التحري . وفسقه من جهات أخر، فمثل هذا لا يرد خبره ولا شهادته. ولو ردت شهادة مثل هذا وروايته لتعطلت أكثر الحقوق، وبطل كثير من الأخبار الصحيحة، ولا سيما من فسقه من جهة الاعتقاد والرأي، وهو متحر للصدق. فهذا لا يرد خبره ولا شهادته ، وأما من فسقه من جهة الكذب: فإن كثر منه وتكرر ، بحيث يغلب كذبه على صدقه ، فهذا لا يقبل خبره ولا شهادته ) اهـ .
وهذا كله في الفاسق الذي لم يتب أما إذا علمت توبته وظهرت عليه علامتها ولم يقم به مانع آخر من موانع قبول الرواية كسوء الحفظ مثلا، فإن قبول خبره متعين لتحقق التخلص من تهمة الذنب بالتوبة، فظواهر نصوص الشرع طافحة بقبول التوبة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وقد نص أهل العلم على أن العبرة في عدالة الراوي هي بما عليه حاله وقت الأداء قال بعضهم :
وزمن الأداء لا التحمل * صح اعتباره لمقتضى جلي
والله أعلم.