الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان .
وفي الموطأ عن عبد الرحمن بن كعب أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان، قال فكان رجل منهم يقول برحت بنا امرأة ابن أبي الحقيق بالصياح فأرفع السيف عليها ثم أذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكف ولولا ذلك استرحنا منها .
وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن راشد بن سعد قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والذرية والشيخ الكبير الذي لا حراك به.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن قتل الوصفاء والعسفاء.
وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم: أرسل رجلا إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وقال له: قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم: 2701.
وروى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة .
فهذه الأحاديث تفيد النهي عن قتل كل من أمن المسلمون من ناحيته من امرأة أو شيخ فان أو أجير أو صبي، وأما من قاتل أو دعم المقاتلين برأي أو غير ذلك فيقتل كدريد بن الصمة والقرظية التي قتلت رجلا .
قال صاحب عون المعبود : ( لا تقتلوا شيخا فانيا ) أي إلا إذا كان مقاتلا أو ذا رأي، وقد صح أمره عليه السلام بقتل دريد بن الصمة وكان عمره مائة وعشرين عاما أو أكثر وقد جيء به في جيش هوازن للرأي قاله القارىء …. ( ولا امرأة ) أي إذا لم تكن مقاتلة أو ملكة. اهـ.
وقال الطحاوي في مشكل الآثار: فالنهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الشيوخ في دار الحرب ثابت في الشيوخ الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب من قتال ولا رأي وحديث دريد على الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريد فلا بأس بقتلهم وإن لم يكونوا يقاتلون لأن تلك المعونة التي تكون منهم أشد من كثير من القتال ولعل القتال لا يلتئم لمن يقاتل إلا بها فإذا كان ذلك كذلك قتلوا والدليل على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رباح أخي حنظلة في المرأة المقتولة ما كانت هذه تقاتل أي فلا تقتل فإنها لا تقاتل فإذا قاتلت قتلت وارتفعت العلة التي لها منع من قتلها وفي قتلهم دريد بن الصمة للعلة التي ذكرنا دليل على أنه لا بأس بقتل المرأة إذا كانت أيضا ذات تدبير في الحرب كالشيخ الكبير ذي الرأي في أمور الحرب فهذا الذي ذكرنا هو الذي يوجبه تصحيح معاني هذه الآثار وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أصحاب الصوامع …. فلما جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك قتل أصحاب الصوامع الذين حبسوا أنفسهم عن الناس وانقطعوا عنهم وأمن المسلمون من ناحيتهم دل ذلك أيضا على أن كل من أمن المسلمون من ناحيته من أمرأة أو شيخ فان أو صبي كذلك أيضا لا يقتلون. اهـ.
وأما قريظة فقد ثبت في الحديث قتل مقاتلتهم وترك ما سواهم، فقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة، لكنهم نقضوا العهد وتمالؤوا مع المشركين في غزوة الخندق، فلما رد الله كيد الأحزاب ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، ونزع عنه لباس الحرب، أتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن يسير إلى بني قريظة ثم حكم فيهم سعد بن معاذ فقال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية والنساء، وتقسم الأموال، ففي الصحيحين -وهذا لفظ مسلم-: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح فاغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار فقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين؟ فأشار إلى بني قريظة، فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعد (بن معاذ) قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية والنساء، وتقسم أموالهم.
ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى ذات الرقم التالي: 13988.
والله أعلم.