الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فتقديم الحج على الصوم في الحديث المذكور هو رواية البخاري، ورواه مسلم على أربع روايات اثنتان منهما بتقديم صيام رمضان على الحج، واثنتان بتقديم الحج، كل ذلك عن ابن عمر أيضا، وقد اختار الحافظ ابن حجر أن يكون سبب تقديم الحج على الصوم ناشئا عن الرواية بالمعنى، أي أن الراوي روى الحديث بالمعنى، فقدم وأخر، وأن الأصل تقديم صيام رمضان بدليل أن ابن عمر رد على الرجل الذي قدم الحج على صيام رمضان، ولمزيد البيان في هذا نقول: رواية البخاري لفظها عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان.
ورواه مسلم على أربع روايات، اثتنان منهما بتقديم صيام رمضان على الحج، واثنتان بتقديم الحج، كل ذلك عن ابن عمر أيضا، ولفظ الرواية الأولى: بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان والحج، فقال رجل: الحج وصيام رمضان. قال: لا؛ صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن حجر في الفتح وهو يشرح رواية البخاري: وقع هنا تقديم الحج على الصوم، وعليه بنى البخاري ترتيبه، لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن ابن عمر بتقديم الصوم على الحج، قال: فقال رجل: والحج وصيام رمضان، فقال ابن عمر: لا؛ صيام رمضان والحجز هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى. ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة التي في البخاري مروية بالمعنى، إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر على الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذلك ثم نسيه. ويبعد ما جوزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجهين، ونسي أحدهما عند رده على الرجل، ووجه بُعدِه أن تطرق النسيان إلى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلى الصحابي، كيف وفي رواية مسلم من طريق حنظلة بتقديم الصوم على الحج، ولأبي عوانة من وجه آخر عن حنظلة أنه جعل صوم رمضان قبل، فتنويعه دال على أنه روي بالمعنى، ويؤيده ما وقع عند البخاري في التفسير بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال أن الصحابي سمعه على ثلاثة أوجه، هذا مستبعد.
والله أعلم.