الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهر أن الإمام نافعا رحمه الله كان يعلم تلاميذه ما اتفق عليه اثنان فأكثر من شيوخه، ويترك ما انفرد به واحد، وليس المراد أنه ابتدع طريقة أو قراءة جديدة ملفقة بين القراءات، وإنما المراد أنه اختار أثبت الروايات التي رواها عن شيوخه وأقرأها الطلاب.
فالقراءة سنة متبعة كما نص عليه أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فقد قال زيد بن ثابت: القراءة سنة من السنن فاقرؤوا القرآن كما أقرئتموه. عزاه السيوطي لابن الأبناري في المصاحف. وقد ذكر الزركشي في البرهان أن القراءات توقيفية وليست اختيارية. وقال شيخ الإسلام: القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول...
وإنما كان القراء يقرئ أحدهم بعض طلابه بما أخذ عن أحد شيوخه، ويقرئ طالبا آخر بما أخذ عن شيخ آخر، فنافع رحمه الله أقرأ قالون بوجوه لم يقرئ بها ورشا، وأقرأ ورشا بما لم يقرئ به قالون، وترك بعضا مما قرأ به أبو جعفر مثلا ورواه عنه ابن وردان وابن جماز، وهكذا عاصم أقرأ شعبة بوجوه لم يقرئ بها حفصا، وأقرأ حفصا بما لم يقرئ به شعبة.
وقد ذكر الإمام ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء: أن حفصا سأل عاصما فقال له: أبو بكر يخالفني فقال: أقرأتك بما أقرأني أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأقرأت أبا بكر بما أقرأني زر بن حبيش عن ابن مسعود.
وقد نقل الباقلاني أنه كان كثير من الأئمة كنافع وابن عمرو يقول: لولا أنه ليس أن أقرأ إلا بما أقرئت لقرأت حرف كذا كذا، وحرف كذا كذا.
والإقراء بأحد الوجوه لبعض الطلاب دون بعض ثابت عن الأئمة، بل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أقرأ كلا من عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم بن حزام بما لم يقرئ به الآخر من وجوه القراءات.
فقد روى الشيخان واللفظ للبخاري عن عمر رضي الله عنه أنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة، فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسله، اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذلك أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه.
وراجع في حكم الجمع بين القراءات في حال التلاوة لا في حال الرواية الفتاوى التالية أرقامها: 3112 ، 61325، 56031.
والله أعلم.