الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فذو النون المصري هو أحد الصوفية الأوائل، والذين كان تصوفهم تصوف زهد، ولم يكونوا على شيء مما عليه التصوف اليوم من الخرافات والبدع، قال عنه الذهبي في ترجمته في كتاب سير أعلام النبلاء: ذو النون المصري الزاهد شيخ الديار المصرية... وروى عن مالك والليث وابن لهيعة وفضيل بن عياض وسلم الخواص وسفيان بن عيينة وطائفة. انتهى.. ولم نجد أحداً طعن في عقيدته في باب الأسماء والصفات، بل مما ورد عنه ما روى عنه علي بن حاتم قال: سمعت ذ النون يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق. انتهى. ذكره عنه الذهبي في كتابه السابق.
وما نقله عنه أبو نعيم في الحلية من هذه الأبيات -إن ثبتت عنه- فغاية ما فيها أنه ينزه الله تعالى عن المكان والكيف، وقد ذكر مثل ذلك الطحاوي في عقيدته المشهورة حين قال: وتعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات. انتهى..
ولكن لا بد من التنبيه هنا على أمر ذكره شارح الطحاوية وذكره قبله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال ابن أبي العز الحنفي: أذكر بين يدي الكلام على عبارة الشيخ رحمه الله مقدمة وهي أن الناس في إطلاق مثل هذه الألفاظ ثلاثة أقوال: فطائفة تنفيها وطائفة تثبتها وطائفة تفصل وهم المتبعون للسلف فلا يطلقون نفيها ولا إثباتها إلا إذا تبين ما أثبت بها فهو ثابت وما نفي بها فهو منفي. انتهى. يعني إن أراد بهذا اللفظ معنى حقاً فهو حق، وإن أراد بها معنى باطلا فهو باطل.
وأما ابن حبان فهو من الأئمة الأعلام أيضاً، وقد ذكر كلامه الذي نقلته عنه في صحيحه عند كلامه عن الحديث: كان الله ولم يكن شيء معه. وليس في هذه العبارة نفي لشيء من الصفات، وقد طعن بعض الناس في عقيدته واتهموه بالكلام في الحد لله، وقد تولى الذهبي الدفاع عنه حيث قال: وقال أبو إسماعيل الأنصاري سمعت يحيى بن عمار الواعظ وقد سألته عن ابن حبان فقال: نحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه، قلت إنكاركم عليه بدعة أيضاً والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله ولا أتى نص بإثبات ذلك ولا بنفية. انتهى..
وتبين مما سبق أن الذي يأتي بمثل هذه العبارات نفياً أو إثباتاً قد يريد بها معنى حقاً، وهذا هو الظن بأمثال هؤلاء الأئمة.. وللمزيد من الفائدة عن ترجمة ابن حبان راجع الفتوى رقم: 70393.
والله أعلم.