الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الواجب عليك الآن هو التوبة إلى الله جل وعلا وقطع العلاقة فورا مع هذا الشاب، لأن هذه العلاقات محرمة لا خلاف في حرمتها، وهذا الفعل وإن لم يعتبر زنا، فهو من مقدمات الزنا، والله تعالى نهانا عن ذلك فقال: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنه كَان فَاحِشة وَسَاء سَبِيلاً. {الإسراء:32 }. وقال أيضا: وَلاَ تَقربوا الفواحش ما ظهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ { الأنعام:151}. وليعلم المسلم أن الزنا المحرم ليس هو فقط زنا الفرْج. بل هناك زنا اليد وهو اللمس المحرَّم، وزنا العين وهو النظر المحرَّم، وإن كان زنا الفرْج وحده هو الذي يترتب عليه الحد.
فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنَّى وتشتهي، والفرْج يصدق ذلك كله ويكذبه. رواه البخاري ومسلم. قَالَ ابْن بَطَّال رحمه الله نقلا عن فتح الباري: سُمِّيَ النَّظَر وَالنُّطْق زِنًا لأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الزِّنَا الْحَقِيقِيّ, وَلِذَلِكَ قَال: وَالْفَرْج يُصَدِّق ذَلِكَ أوَيُكَذِّبهُ. انتهى.
ولا يغتر العاصي بأنه لن يقع في الفاحشة وأنه سيكتفي بهذه المحرمات عن الزنا، فإن الشيطان لن يتركه فهذه هي خطوات الشيطان التي أمرنا الله ألا نتبعها.
أما ما يزينه الشيطان للسائلة من عمل السيئة واتباعها بالحسنة فهذا والله عين الغرور، ونظن السائلة هداها الله وأعانها تدرك ذلك، فمن منا اتخذ عند الله عهدا أن يقبل منه حسناته, ومن منا يضمن أن يطول به العمر ويمتد حتى يتمكن من التوبة. قال ابن الجوزي رحمه الله في كتاب التبصرة: وربما بغت العاصي بأجله ولم يبلغ بعض أمله, وكم خير فاته بآفاته, وكم بلية في طي جناياته, قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغتة .
ومن تزيين الشيطان وإضلاله للإنسان أيضا أن يوهمه أنه قد فات الأوان ولم يعد هناك مجال للتوبة, ليوقعه في اليأس حتى يداوم على معاصيه, فليعلم العبد أن الله سبحانه غفور رحيم يقبل التائب إذا أتاه . قال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ. {الشورى:25}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم وغيره.
فعليك أيتها السائلة أن تبادري بالتوبة وأن تستعيذي بالله من كيد الشيطان ونزغاته, وعليك أن تقطعي علاقتك فورا بهذا الشاب، وأن تخرجي من تفكيرك أمر الزواج به، ونسأل الله سبحانه أن يرزقك زوجا خيرا منه يعينك على طاعة الله.
أما بالنسبة لوالدك فإنه لا يجوز له شرعا أن يمنعك عن الزواج إذا تقدم لك الكفء صاحب الدين, وذلك لما يترتب على هذا العضل من الفتنة والفساد الذي نهى عنه الشارع الحكيم، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
وإذا ثبت عضل الأب لابنته, ويعرف ذلك بقرائن الأحوال والعلل التي يرفض بها الخطاب، وكثر ذلك منه بما يخرج عن المألوف المعتاد، فللبنت رفع أمرها للقاضي لنقل الولاية إلى غيره من الأقارب.
ومما ننصح به السائلة في نهاية الكلام أن تتلطف مع والديها ما استطاعت فحقهما عظيم ولا ينبغي أيتها السائلة أن تكون علاقتك بأحد والديك علاقة تحدٍ كما تقولين (إنك تحديت الوالد في أمر الحجاب) كلا فحتى لو أمرك أحد الوالدين بأمر فيه معصية لله سبحانه, فالزمي طاعة الله وخالفي والديك ولكن دون عنف ولا غلظة؛ بل باللطف والتودد.
وإذا كان هذا الشاب صاحب دين وخلق فلا مانع أن توسطي أحد أهل الخير والصلاح من الأقارب، هدانا الله جميعا سواء السبيل. وتراجع الفتويين: 20373، 52733.
والله أعلم.