الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول أولا إنه يبدو من خلال ما كتبت في هذه الأسطر أن لديك نوعا من الاضطراب النفسي ومشاكل خاصة ونوعا من السخط دعاك إلى كتابة مثل هذه الألفاظ الكفرية الشنيعة، ولا نقول هذا الكلام استفزازا أو سخرية وإنما بناء على الدلائل الواضحة الموجودة في هذه الرسالة من اضطراب العبارات، وبعثرة الكلام، وإن كانت لديك مشكلة نفسية فينبغي أن تسعي في علاجها بمقابلة أهل الاختصاص من الأطباء النفسيين، ولو أنك عرفت الله تعالى حق معرفته، وقدرته حق قدره، ولهج لسانك بذكره لاطمأن قلبك وكان هذا خير علاج لمثل حالتك... ونجمل جواب ما أوردت من شبهات في النقاط التالية:
النقطة الأولى: أن الله خلق الحياة الدنيا للابتلاء والاختبار لا للجزاء على الأعمال؛ كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. {الملك:2}.
فالله يبتلي عباده بإرسال الرسل وإنزال الكتب، فمن صدق بالرسل وعمل بما في الكتب كان من أهل الجنة ومن أهل السعادة، ومن كذب كان من أهل الشقاء وأهل النار.
ولو كان كل عاص يعاجل بالعقوبة لما تحقق فيها هذا المعنى، وخلق الله تعالى للإنسان على الصفات التي شاءها هو سبحانه لا على الصفات التي يرغب فيها الإنسان يأتي في سياق الابتلاء والاختبار، كما أنه أكبر دليل على أنه السيد المالك المتصرف في هذا الكون بما يشاء، وأن المخلوق ضعيف ليس له إلا الرضا والتسليم بما شاء له سيده.
وإذا كان الله تعالى هو الخالق فهو الآمر الناهي، وله أن يشرع في حق عباده ما شاء، فيأمر المرأة بستر جسدها ولا يأمر الرجال بذلك، قال تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {الأعراف:54}، ونحن نؤمن بأنه لا يفعل شيئا إلا عن حكمة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وأنكرها من أنكرها، فذلك لا يضر الله شيئا.
النقطة الثانية: أن الإسلام بمثل هذه التشريعات لم يظلم المرأة ولم يقيد حريتها، فهو من جهة أعطاها كثيراً من الحقوق كحق التصرف في مالها....، ومن جهة أخرى شرع في حقها من التكاليف ما يتناسب مع خلقتها، وهذا عين العدل والإنصاف، ولو أنه ساوى بينها وبين الرجل في التكاليف مع اختلاف الطبائع والصفات لكان -وحاشاه- ظالما لها أشد الظلم، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 16441، والفتوى رقم: 36616.
النقطة الثالثة: أن الإنسان له إرادة واختيار، وهذا أمر واقع لا ينكره إلا مكابر، ومن فمك ندينك، فإنك قد قلت في ثنايا هذه السطور: (اخترت أن أظل في بيتي... لا أريد الحرية الناقصة....) هذا يعني أنك تعترفين أن لك حرية وإرادة، وبناء على هذه الحرية والاختيار يكون الحساب يوم القيامة، فهو سبحانه إنما يحاسب عبادة على أعمالهم التي عملوها لا بمقتضى علمه السابق، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 62860، والفتوى رقم: 75647.
النقطة الرابعة: لا ندري من أين حكمت بكون المرأة في الجنة خالية من الأحاسيس والمشاعر وأنها في الجنة مجرد آلة ليستمتع بها الرجل، فما من أحد في الجنة إلا وهو يتمتع بنعيمها، وله فيها ما تشتهيه نفسه، ومن الذي قال إنه لا يمكن أن تكون المرأة في سعادة إلا إذا خلق لها ذكور في الجنة كما خلق للرجال الحور العين. ثم إنه متى كانت الغيرة والحسد والغل والغيظ مصدراً للسعادة حتى تطلب هذه الأمور لنساء الجنة، بل إن من تمام نعيمها نزع مثل هذه الأمور عن قلوب أهل الجنة، قال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ {الأعراف: 43}، وانظري لذلك الفتوى رقم: 75647.
النقطة الخامسة: أن الله تعالى قادر على الانتقام ممن يكفر به أو ينال من قرآنه أو يسب رسوله، أو يعتدي على بعض خلقه، وسننه في ذلك ماضية في الزمان الغابر وفي الوقت الحاضر، ولكنه يفعل ذلك متى شاء هو وعلى مقتضى حكمته، وليس لأحد من خلقه التحكم في أمره والإملاء عليه بأن يفعل أو لا يفعل أو لماذا لا يفعل، فضلا عن أن يزعم أن الواجب على الله تعالى أن يعاقب نفسه، فإن في هذا المنتهى من الكفر وسوء الأدب....
وفي الختام فإننا ندعوك إلى التوبة النصوح من هذا الكفر الصريح، ولو أنك بقيت في هذه الحياة حتى قرأت هذه الأسطر ولم يعاجلك الله بعقوبته فاحمدي الله على ذلك وبادري إلى التوبة، واعلمي أن الله تعالى لن يضره كفرك وأنك إنما تضرين بذلك نفسك، فهذه نصيحة مشفق متودد نرجو أن تجد منك أذنا صاغية.
والله أعلم.