الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعافيك في دينك ودنياك، وأن يدبر لك أمرك، أن يلهمك رشدك ، وأن يوفقك لما فيه خيرك في الدنيا والآخرة.
ثم اعلم أخي الكريم أن أداء حق الزوجة في حضورك، وما يترتب عليه من مصالح، وما يجنبك وإياها من المفاسد، أولى بالمراعاة من حفاظك على فرصة عمل، تقول عنها إنها لا توفر لك إلا مجرد العيش ، لا سيما وأنت تقول إنك تعلم أنه في أوقات كثيرة جدا يكونون في أشد الحاجة لوجودك وأنك كذلك أيضا.
ثم إنك رزقت بمولودة لم ترها ولو مرة، وفي هذا أيضا معاناة كبيرة عليك وعلى زوجتك. وتقول إنك تزوجت من سنتين، وهذه مدة غياب طويلة.
قال ابن قدامة: قيل للإمام أحمد: كم يغيب الرجل عن زوجته ؟ قال: ستة أشهر، يكتب إليه فإن أبى أن يرجع فرق الحاكم بينهما. وإنما صار إلى تقديره بهذا لحديث عمر، رواه أبو حفص بإسناده عن زيد بن أسلم قال: بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة فمر بامرأة في بيتها وهي تقول: تطاول هذا الليل واسود جانبه. وطال علي أن لا خليل ألاعبه ... فسأل عنها عمر فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل الله، فأرسل إليها امرأة تكون معها، وبعث إلى زوجها فأقفله، ثم دخل على حفصة فقال: يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت: سبحان الله مثلك يسأل مثلي عن هذا! فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: خمسة أشهر ستة أشهر. فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهرا ويقيمون أربعة ويسيرون شهرا راجعين.
وسئل أحمد: كم للرجل أن يغيب عن أهله؟ قال: يروى ستة أشهر، وقد يغيب الرجل أكثر من ذلك لأمر لا بد له. فإن غاب أكثر من ذلك لغير عذر فقال بعض أصحابنا: يراسله الحاكم فإن أبى أن يقدم فسخ نكاحه. انتهى.
وجاء في كتاب الإنصاف للمرداوي: أن الزوج إن سَافَرَ عَنْ زوجته أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ, فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ : لَزِمَهُ ذَلِكَ. إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ .... وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله يَقْتَضِي أَنَّهُ مِمَّا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. وَذَلِكَ يَعُمُّ الْوَاجِبَ الشَّرْعِيَّ, وَطَلَبَ الرِّزْقِ الَّذِي هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ .. وقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ هَانِئٍ وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ تَغَيَّبَ عَنْ امْرَأَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؟ قَالَ: إذَا كَانَ فِي حَجٍّ, أَوْ غَزْوٍ, أَوْ مَكْسَبٍ يَكْسِبُ عَلَى عِيَالِهِ . أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ, إنْ كَانَ قَدْ تَرَكَهَا فِي كِفَايَةٍ مِنْ النَّفَقَةِ لَهَا, وَمَحْرَمِ رَجُلٍ يَكْفِيهَا. انتهى.
فأنت وإن لم تأثم بغيابك هذا بعذر طلب الكسب والمعاش، فيبقى النظر لحاجة زوجتك وما يصلحها، وهذا أمر متحتم، فإذا بيَّنتَ لزوجتك الحال فلم تصبر وطلبت منك الرجوع فارجع، واستعن بالله على طلب رزقك في بلدك.
وقد سبقت بعض الفتاوى في بيان أن الزوج لا يسافر عن زوجته أكثر من ستة أشهر بدون إذنها: 41508 ، 22429 ، 76787. وأخرى في بيان أسباب جلب الرزق والصبر على ضيق الحال: 6121 ، 7768.
والله أعلم.