الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في هبة ثواب القرب للموتى هل ينفعهم ذلك أو لا؟ بعد اتفاقهم على انتفاع الميت بالدعاء له والاستغفار له وكذا الصدقة عنه، وعامتهم على أن الحج الواجب ينتفع به الميت، وإنما اختلفوا في حج التطوع، والذي يقتضيه الدليل أن الميت ينتفع بالحج عنه ولو تطوعاً.
دليل ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني عن ابن عباس: أن النبي صلي الله عليه سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة.
ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل حجه عن شبرمة فرضٌ أو تطوع فدل على العموم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص : أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك. رواه أحمد وصححه الألباني.
فجعل شرط انتفاع أبيه بما يوهب له من ثواب القرب أن يكون من أهل الإسلام، وقد بحث ابن القيم في كتاب الروح مسألة هبة ثواب القُرَب للموتى فأطال وأطاب ورجح مذهب الإمام أحمد وكثيرٍ من أهل العلم وهو انتفاع الموتى بما يُوهب لهم من القرب حجاً كان أو غيره، وقد رجح هذا القول جماعة من متأخري الشافعية كالنووي وغيره ورجحه القرطبي من المالكية في تفسيره وتذكرته، ونصره ابن أبي العز الحنفي في شرحه للطحاوية وهو أيضاً قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
والله أعلم.