الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الوسوسة داءٌ عضال وسم قتال متى تسلط على إنسانٍ أفسد عليه دينه ودنياه، والشيطانُ أفرحُ ما يكون بأن يلبس على العبد عبادته فلا يقيمها على وجهها، والموسوس إذا تمادى في الاستجابة لوسواسه فهو بين خيارين أحلاهما مر، فإما أن يترك العبادة جملة ليتخلص من عناء الوسوسة فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، وإما أن يعيش معذباً نكد البال مكدر الخاطر، ولا ينتشله من هذه الوهدة السحيقة إلا أن يعتصم بالله ويستعين به ويُجاهد نفسه ويطرح الوسوسة وراءه ظهرياً ويجعلها نسياً منسياً.
فكلما قال له الشيطان (فعلت كذا) قال: لم أفعل، فإذا قال له: نسيت كذا، قال: ما نسيت، فعليك أيتها الأخت الفاضلة أن تسلكي هذه الطريقة التي رسمناها لك لتعالجي نفسك من الوسوسة، واعرضي نفسك على طبيبة مختصة، فإن لم تكن فطبيب ثقة، وعليك أن تعلمي أن الشيطان ليس لك بناصح ولا هو على عبادتك حريص، فمن الآن فنفذي عملياً ما نقول، توضئي مرة واحدة فحسب وصلي مرة واحدة فحسب، وإن عرض لك من الخواطر أثناء ذلك ما عرض فلا تبالي، واعلمي أن صيامك صحيح ما لم تتعمدي أكلاً أو شرباً أو فعلاً لما يفطر، وقد وقع في سؤالك من الكلام ما يحتاج إلى تصحيح فالمني لا يفسد الوضوء فقط بل يوجب الغسل، وقولك: إنه لا يفسد الصيام خطأ بل تعمد إخراجه مفسد للصيام، والخواطر التي تعرض للإنسان لا يترتب عليها حكم ما لم يخرج منه شيء، وإذا كان مصاباً بالوسوسة كحالتك فعليه أن يعرض عنها أصلاً، وعليك أن تجتهدي في تعلم العلم الشرعي من مصادره الصحيحة وعن أهله المعتبرين فهذا أعظم عاصم من الوقوع في مثل هذه الأخطاء.
والله أعلم.