خلاصة الفتوى:
من المعلوم بالضرورة أن زرع العنب وقطفه وبيعه ليس محرماً في حد ذاته، وإنما المحرم هو أن يكون ذلك من أجل اتخاذه خمراً فقط.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنشكر السائل الكريم على مطالعة فتاوانا ونرجو منه أن يوافينا بملاحظاته.. وبخصوص الملاحظة المذكورة فإن من المعلوم بالضرورة أن زرع العنب وقطفه وبيعه ليس محرماً في حد ذاته، وإنما المحرم هو أن يكون ذلك من أجل اتخاذه خمراً فقط، كما هو مبين في الفتوى رقم: 68479، والفتوى رقم: 12572.
فمن زرع العنب أو قطفه لمن يعلم يقيناً أو يظن ظناً قوياً أنه يعصرها خمراً فقد ساعد واشترك مع العاصر.. وانتهك النهي الوارد بقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}، وهذا من باب سد الذريعة الذي هو أصل من أصول الاستدلال كما هو مقرر في أصول الفقه، قال صاحب المراقي:
سد الذرائع إلى المحرم * حتم كفتحها إلى المنحتم
قال شارحه: يعني أن سد الذرائع أي الوسائل الموصلة إلى المحرم حتم أي واجب كفتح الوسائل الموصلة إلى المنحتم وهو الواجب أيضاً. ومن أدلة ذلك: النهي عن سب آلهة الكفار إذا كان يؤدي إلى سب الله تعالى، كما في قوله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}، ومنها ما رواه البيهقي وغيره عن عمران بن حصين قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع السلاح في الفتنة.
ومن هذا الباب منع كل شيء علم البائع أن المشتري لا يستخدمه إلا في معصية الله تعالى، قال الدسوقي المالكي: يمنع بيع كل شيء علم أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز. فأصل الأمور المذكورة جائز في الشرع كما هو معلوم بالضرورة، ولكنها إذا أدت إلى الحرام تعتبر حراماً، فوسيلة الشيء كهو كما قال أهل العلم... وهذا مبحث طويل وله أدلة كثيرة، وأمثلة متفرقة في كثير من أبواب الفقه، كما أن له ضوابط بينها أهل الأصول في محلها، ويمكنك الرجوع إليها في مبحث سد الذرائع المعتبر منه والملغي والمتردد بينهما، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 104786.
والله أعلم.