الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما تبقى لك من مال مقابل هذه الملابس هو دين على هذه التاجرة يلزمها أداؤه إليك ؛ لأن عقد البيع تم بينك وبين التاجرة فيجب عليها دفع ثمن الملابس إليك.
ولكن ما وقع بينكم من قبضك لجزء من المال من التاجر يحتمل أمرين:
الأول: أن يكون ذلك على سبيل الوكالة من التاجرة للتاجر في قضاء جزء من ديونها، وفي هذه الحالة فالواجب على هذه التاجرة قضاء باقي الدين ولا تعلق لك بالتاجر في قضاء دينك.
الثاني: أن تكون التاجرة قد أحالتك على التاجر، ويشترط لصحة الحوالة رضا المحيل، وتماثل الحقين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل، و أن تكون على دين مستقر، وأن تكون بمال معلوم، ويشترط لصحة الحوالة أيضا رضا المحال على مذهب الحنفية والمالكية والشافعية. وأما الحنابلة فلا يوجبون رضا المحال، بل يجبر المحال على القبول، إذا كان المحال عليه مليئا غير جاحد ولا مماطل.
وعليه، فإذا كنت رضيت بالحوالة انتقل حقك إلى التاجر، ولا يجوز لك مطالبة التاجرة بباقي المبلغ لأن مقتضى الحوالة انتقال مالك من الدين من ذمة التاجرة إلى ذمة التاجر.
وإذا صحت الحوالة بشروطها وبرضاك ثم ماطل التاجر أو أعسر فقد اختلف الفقهاء في ذلك، فمذهب الشافعية والحنابلة أن المحال لا يرجع إلى المحيل ولا يحق له مطالبته، قال ابن قدامة في المغني (4/338-339): إذا ثبت أن الحق انتقل، فمتى رضي بها المحتال، ولم يشترط اليسار، لم يعد الحق إلى المحيل أبدا، سواء أمكن استيفاء الحق، أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو غير ذلك. وهذا قول الشافعي. وعن أحمد ما يدل على أنه إذا كان المحال عليه مفلسا، ولم يعلم المحتال بذلك، فله الرجوع، إلا أن يرضى بعد العلم، ونحوه قول مالك، وقال أبو حنيفة: يرجع عليه في حالين ; إذا مات المحال عليه مفلسا، وإذا جحده وحلف عليه عند الحاكم، وقال أبو يوسف ومحمد: يرجع عليه في هاتين الحالتين، وإذا حجر عليه لفلس. اهـ بتصرف.
وينبغي أن يعلم أن مسائل النزاع لا يرفعها إلا قضاء القاضي الشرعي أو بالتحكيم الشرعي إن لم توجد ببلدكم محاكم شرعية.
وننصح هذه التاجرة بالمسارعة في أداء باقي المال لك إن لم تكن الإحالة قد تمت، ونذكرها بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مطل الغني ظلم. والمطل منع قضاء ما استحق أداؤه، ونصَّ العلماء على أن الغني إذا تكررت منه المماطلة فإنه يفسق وترد شهادته. وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 23727.
والله أعلم.