الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن يتجاوز عن أبيك، عما كان يأخذ منك دون أن يكون محتاجا إليه -كما ذكرت- فإنه لا يحق للوالد أن يأخذ راتب ابنه المحتاج لما في أخذه له من إضرار به، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه الإمام أحمد والدار قطني.
أما إذا كان الأب محتاجا وكان الابن له مال، فإنه يجوز للأب أن يأخذ من مال ابنه ويتصرف فيه دون سرف، سواء أذن الولد أو لم يأذن؛ لما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه من قوله صلى الله عليه وسلم: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه. ولما أخرجه ابن ماجه أيضا من قوله صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك. واللام في لأبيك: لام الإباحة لا لام التمليك كما قال العلماء.
وبناء على هذا، فإن كان ما أخذه منك أخذه بطيب نفس منك -وهو الظاهر لنا من كلامك- فإنه يصير ملكا له لرضاك بذلك وحيازته له.
أما القطعة الأرضية التي سجلها باسمك فإن قامت بينة على أن هذا التسجيل على سبيل الهبة مقابل ما أخذ منك وقمت أنت بحيازة القطعة الأرضية قبل موته هو فإن الهبة هبة نافذة، فلك الانفراد بهذه القطعة دون سائر الورثة، وإن لم تقم بينة على ذلك، أو قامت ولم تقم بحيازتها أو حزتها بعد موته فإنها حينئذ من تركة الميت، فلا يجوز لك الانفراد بها، وبخصوص ما دفعه أبوك إلى بنته في حياته على أنه ميراث لا يصيره ذلك ميراثا؛ لأن من شروط الإرث تحقق موت الوارث.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: إذا قسم الأب ما بيده بين أولاده فإن كان بطريق أنه ملك كل واحد منهم شيئا على جهة الهبة الشرعية المستوفية لشرائطها من الإيجاب والقبول والإقباض أو الإذن في القبض وقبض كل من الأولاد الموهوب لهم ذلك، وكان ذلك في حال صحة الواهب جاز ذلك، وملك كل منهم ما بيده لا يشاركه فيه أحد من إخوته، و من مات منهم أعطي ما كان بيده من أرض ومُغل لورثته، وإن كان ذلك بطريق أنه قسم بينهم من غير تمليك شرعي، فتلك القسمة باطلة، فإذا مات كان جميع ما يملكه إرثا لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين.
وبناء على هذا يجب عليها رد ما دفعه إليها لأنه من ضمن تركة الميت، وللمزيد راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14893، 3303.
والله أعلم.