الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي تجده من الخوف من الزحام والأماكن المغلقة هو نوعٌ من الخوف المرضي لا تستسلم له، بل ينبغي أن تجاهد نفسك حتى تتعافى منه، فاستشر الطبيب المختص لعلك تجد عنده ما يفيدك، ومن خطوات العلاج في نظرنا أن تحمل نفسك على حضور الجمع والجماعات وأن ترغمها على التبكير للصلاة، بل على المنافسة في الصف الأول.
واعلم هداك الله أن طاعة الله تجلب لصاحبها الأمن في الدنيا والآخرة، قال تعالى: الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام 82}.
فطاعة الله هي سبب انشراحُ الصدر وطمأنينة القلب، ولو اجتهدت في التبكير للصلاة والوقوفِ في الصف مع المسلمين وطرد شبح الخوف عنك فستجدُ لذلك إن شاء الله راحةً ولذة لا تعدلها لذة.
واعلم أن التداوي من الأمور المشروعة، قال صلى الله علبه وسلم: تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواءً إلا الهرم. رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه.
وأما أن توكلَ من يحج عنك مع قدرتك على الحج فلا يجوزُ هذا البتة، وليس ما ذكرته بعذرٍ مقبول شرعاً، بل هذا المرض يمكن علاجه باليسيرِ من المجاهدة مع الاستعانة بالله عز وجل، وأقصى ما يمكن أن يقال إنك معذورٌ في تأخير الحجِ لأجل المرض، وهذا مرضٌ يُرجى برؤه.
وأما صلاةُ المنفرد خلف الصف ففيها خلافٌ معروفٌ بين أهل العلم فالجمهورُ يرون صحتها مع الكراهة، ويرى الحنابلة بطلانها لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة، وفي رواية أنه قال له: استقبل صلاتك فإنه لا صلاة لفردٍ خلف الصف. رواه أبو داود والترمذي وحسنه الإمام أحمد رحمه الله، وتوسط شيخ الإسلام ابن تيمية فرأى أن صلاة المنفرد خلف الصف صحيحةٌ مع العذر، باطلةٌ بدونه، فيمكن أن يُقال على ما رجحه شيخُ الإسلام إن مرضك هذا عذرٌ لكَ في صلاتك خلف الصف إذا كنت لا تستطيع القيام فيه فإن الله لا يكلفُ نفساً إلا وسعها، لكن عليك كما قلنا أن تبحثَ عن أسباب العلاج، وإذا كان ابنك الذي يَصف بجانبك أحياناً قد بلغ حد التمييز فإن الصف ينعقد به على الراجح، وهو قول الجمهور، ولا تكون حينئذٍ منفردا خلف الصف، نسألُ اللهَ أن يلبسكَ ثوب العافية وأن يعجل لكَ بالشفاء من هذا الداء.
والله أعلم.