الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحق الأم عظيم، وبرها فرض أكيد قال تعالى: وَوَصينا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتهُ أُمهُ وَهْنا عَلَى وَهْن وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْن أنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان 14- 15}.
وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.
وأما بالنسبة لأمر الإنفاق عليها فإنه واجب عليكم إذا كانت فقيرة لا مال لها وكنتم أغنياء، وقد دل على وجوب النفقة الكتاب والسنة والإجماع.
قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}.
ومن الإحسان: الإنفاق عليهما عند حاجتهما.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْ كَسْبِهِ. رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد. انتهى.
وفي المدونة قال مالك: تلزم الولد المليء نفقة أبويه الفقيرين ولو كانا كافرين والولد صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، كانت البنت متزوجة أم لا، وإن كره زوج الابنة. انتهى.
أما إذا كانت غنية فلا يجب عليكم الإنفاق عليها، ولكن يستحب أن تعطوها بعض المال سواء في صورة هدية أو مال نقدي تطييبا لخاطرها.
وأما ما تقوم به أمكم من تبرج وإظهار لزينتها وغير ذلك من المخالفات الشرعية فهذا حرام، وقد سبق بيان حكم التبرج في الفتاوى رقم: 8569، 26387، 32094.
وواجبكم في ذلك هو النصح لها بالحكمة واللين مع البر والمصاحبة بالمعروف.
وإذا كنتم تعلمون أن ما ستعطونها من مال ستنفقه على التبرج والزينة فلا يجوز لكم أن تعطوها هذه الأموال لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان وهو حرام لقوله تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ والعُدْوَانِ {المائدة: 2}.
ولكن أعطوها ما يكفي حاجاتها على سبيل الوجوب إذا كانت فقيرة، وعلى سبيل الندب إذا كانت غنية.
وأما ما تقوم به الأم من منع التركة عن أولادها فهذا حرام وهو من أكل أموال الناس بالباطل، حتى ولو كان الأبناء أغنياء لا يحتاجون إليها؛ لأن هذا فرض من الله تعالى فرضه للورثة فقال تعالى: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا {النساء:7}
وقد عد أهل العلم منع الوارث من حقه من الميراث كبيرة من أعظم الكبائر؛ لأن الله تعالى عقب على آيات المواريث بقوله ترغيبا لمن أطاعه وترهيبا لمن عصاه وخالف أمره في الميراث فقال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ {النساء:13-14}
فعليكم أن تتلطفوا معها حتى تستوفوا منها حقوقكم.
وأما بالنسبة لبيع البيت فإن كانت الأم غنية وتستطيع توفير سكن لها، فعند ذلك يمكنكم بيع هذا البيت الخاص بكم، ولو بغير رضاها لأنه ليس ملكا لها.
أما إذا كانت فقيرة فيجب عليكم توفير سكن مناسب لها، ولكن لا يشترط أن يكون هذا البيت بل لكم أن تبيعوه، وتسكنوها في غيره، ويجب عليكم في هذا كله أن تكون المعاملة معها غاية في البر والأدب واللطف.
وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 55541.
والله أعلم.