الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن لم تكن تخشى على أمك وأخواتك الضياع فأنت مخير بين السفر وبين الإقامة معهن لرعايتهن، والذي يرجح أحد الجانبين هو المصلحة، فإن كانت هناك مصلحة من السفر كطلب الرزق الحلال, الذي تتزوج به وتساعد به أمك وأخواتك, فإن جانب السفر يترجح, ولا حرج عليك في ذلك، قال تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ {البقرة:198}، وقال سبحانه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ. {الملك:15}.
وأما إن تيسر لك طلب الرزق في بلدك قريبا منهن, وكن يحتجن إلى بقائك معهن للرعاية فإن بقاءك معهن يترجح، فعليك أن توازن بين المصالح والمفاسد في ذلك وأنت خبير بأمورك ومصالحك، ولكن إن قررت السفر فعليك أن تستأذن أمك وأن تسترضيها, وأن تفعل ذلك مع إخوتك وذلك على سبيل الاستحباب لا الوجوب فإن السفر المأمون للتجارة ونحوها لا يشترط فيه رضا الوالدين.
قال الإمام السرخسي الحنفي في شرح السير الكبير: وكل سفر أراد الرجل أن يسافر غير الجهاد لتجارة أو حج أو عمرة فكره ذلك أبواه، وهو لا يخاف عليهما الضيعة فلا بأس بأن يخرج، لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهرا، إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه، نحو ركوب البحر، فحينئذ حكم هذا وحكم الخروج إلى الجهاد سواء، لأن خطر الهلاك فيه أظهر. انتهى.
وجاء في البحر الرائق: وأما سفر التجارة والحج فلا بأس بأن يخرج بغير إذن والديه لأنه ليس فيه خوف هلاكه. انتهى.
ثم نوصيك إن أنت سافرت أن تتابع أخبارهن وأن تقضي حوائجهن المادية ونحوها ما استطعت إلى ذلك سبيلا وأن لا تقصر في النزول إلى بلدك لرؤيتهن ما وجدت السبيل إلى ذلك .
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التاية: 105154, 76602, 107996.
والله أعلم.