الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا على ما قمت به من إحسان على أبيك، ونسأل الله سبحانه أن يجعل هذا في ميزان حسناتك وأن يجعل أولادك بارين بك كما كنت بارا بأبيك.
أما ما فعله أبوك من بيع البيت الذي كان أكثر ثمنه من مالك الخاص فهذا غير جائز؛ لأن مالك لا يملك التصرف فيه غيرك، وليس لأبيك حق فيه، طالما كان غنيا لا يحتاج إليك، ولا تلزمك نفقته طالما أنه لديه ما يكفيه من المال، لكن إن فعلت فلا شك أنك تؤجر على ذلك أعظم الأجر؛ لعظم حق الوالد عليك.
أما ما يقوم به الوالد من إساءة عليك وعلى أولادك ولزوجك فإنه حرام ولا شك، فإن الله أمر ووصى الآباء على أبنائهم، فقال سبحانه: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ [النساء/11].
ويدخل في هذه الوصية معاملتهم بالحسنى والمعروف وتربيتهم تربية حسنة وإكرامهم وما إلى ذلك، ويجب عليه رد السلام عليك لأن رد السلام فرض لقوله سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء/86]، وعليه فمن ترك رد السلام بلا عذر فهو آثم.
قال النووي رحمه الله في المجموع: وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع، فإن كان السلام على واحد، فالجواب: فرض عين في حقه، وإن كان على جميع فهو فرض كفاية، فإذا أجاب واحد منهم أجزأ عنهم، وسقط الحرج عن جميعهم، وإن أجابوا كلهم كانوا كلهم مؤدين للفرض، سواء ردوا معاً أو متعاقبين، فلو لم يجبه أحد منهم أثموا كلهم، ولو رد غير الذين سلم عليهم لم يسقط الفرض والحرج عن الباقين. انتهى.
وأيضا مقاطعته لك ولأولادك حرام، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام. رواه مسلم.
قال النووي في شرح مسلم: التدابر: المعاداة وقيل القطيعة، لأن كل واحد يولي صاحبه دبره. انتهى.
وفي صحيح البخاري ومسلم وهذا لفظ البخاري عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
وإذا كان الهجر بين المسلمين عموما محرما فإن الحرمة تزداد إذا كانت بين الأرحام لا سيما بين الرجل وبنيه.
أما ما يفعله والدك من إنفاق المال على أصهاره وغيرهم فلا حرج عليه في ذلك إن كان هذا ماله الذي أعطاه الله له وله أن ينفقه فيما يشاء طالما لم يكن في معصية أو إثم، ولكن إن قصد الإضرار بكم وحرمانكم من وراثة هذا المال فإنه يحرم عليه ذلك ويكون آثما بالإنفاق المذكور.
وعلى كل حال فإنا نوصيك بوالدك، فإن للوالد حقا في البر مهما فعل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الوالد أوسط أبواب الجنة فأضع ذلك الباب أو احفظه. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي الدرداء. فلا يجوز عقوقه، بحجة قسوته أو سوء خلقه فإن العقوق من كبائر الذنوب.
وأما ما يفعله والدك من هجركم وتضييع أموالكم والإساءة إليك بالقول والفعل فمنكر يتعين عليه أن يتوب إلى الله منه.
ونصيحتنا لك تتلخص فيما يلي:
1- نصحه وتحذيره من مغبة هذه الأفعال وعقوبتها الأخروية.
2- الصبر عليه ومقابلة إساءته بالإحسان.
3- الدعاء له بالهداية والصلاح.
4- ولا بأس بأن تطلبوا ممن له قدر وكلمة مسموعة عنده بأن ينصحه ويذكره بالله وبحقكم عليه.
أصلح الله والدكم وهداه، وأعانكم على الصبر عليه والبر به. وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 46062، 97807، 104590.
والله أعلم.