الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا مانع شرعاً أن يهب الرجل لزوجته أو لغيرها بشرط ألا يقصد بهذا التصرف حرمان الورثة من نصيبهم، لأن هذا ظلم لهم، إذ التركة حقهم الذي فرضه الله سبحانه لهم، قال الله تعالى: لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا {النساء:7}، وبناء على ذلك فإنه لا يجوز لك أيها السائل أن تفعل هذا طالما أن قصدك الإضرار بالورثة ومنعهم من الميراث.
على أنا ننصحك أن لا تفعل هذا فإنك لا تدري ما يكون بعد ذلك فإن القلوب تتقلب والنفوس تتغير ولو انتفى قصد الإضرار فهل تضمن أن تبقى زوجتك لك على هذا الحب والوفاء؟ فلربما تغيرت عليك بل ولربما أوقعتها أنت في الفتنة بفعلك هذا إذ أنها ستجد نفسها غنية عنك وعن إنفاقك فربما زين لها الشيطان التعالي عليك والاستغناء عنك، وقد قال الله جل وعلا: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا {النساء:5}، والسفهاء هنا هم النساء والأولاد الصغار على ما فسره به غير واحد من المفسرين، وهو تأويل حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس، فقد جاء في تفسير القرطبي عند هذه الآية: قال ابن عباس: لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك وتبقى فقيراً تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم، بل كن أنت الذي تنفق عليهم، فالسفهاء على هذا هم النساء والصبيان، صغار ولد الرجل وامرأته. انتهى.
وجاء في تفسير ابن كثير عند هذه الآية: عن ابن عباس يقول (تعالى) لا تعمد إلى مالك وما خولك الله وجعله معيشة فتعطيه امرأتك أو بنيك ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم.
فيا أيها السائل أمسك عليك مالك فهو خير لك وأدعى لقوامتك على أهل بيتك، فقد قال سبحانه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ {النساء:34}، علماً بأن الهبة المعلقة على الوفاة تأخذ حكم الوصية، وهي لا تجوز لوارث كالزوجة والأولاد إلا بإذن الورثة. وللفائدة في الموضوع تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 19637، 58686، 41872.
والله أعلم.