الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فجزاك الله خيرا على استجابتك لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وزادك الله ثباتا على الحق والدين، وأما ما تسألين عنه بشأن موقفك من رفض الشباب الذين يستمعون للأغاني فلا شك أنه موقف صحيح فإن الغناء الذي يشتمل على آلة عزف ولهو (آلة موسيقى) يحرم استماعه من الرجل والمرأة بالإجماع. وقد حكى الإجماع على تحريم استماع آلات العزف ـ سوى الدف ـ جماعة من العلماء، منهم الإمام القرطبي، وأبو الطيب الطبري، وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي، وابن القيم، وابن حجر الهيتمي.
قال الإمام القرطبي: أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك. وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسق ومهيج الشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه، ولا تفسيق فاعله وتأثيمه. انتهى.
وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي لك الإقدام على الزواج من شاب يستمع لهذه الأغاني المفسدة للقلب المضيعة لما فيه من إيمان ويقين.
وعليك أن تختاري الرجل الصالح، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أخرجه الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة، وحسنه الألباني في الإرواء، وراجعي في شرطه الفتوى رقم: 6253.
وأما سؤالك عن ضابط المعاصي التي ينبغي معها رفض الرجل كزوج فنقول الرجل الذي يفعل الكبيرة أو الذي يفعل الصغيرة مع إصراره ومداومته عليها لا ينبغي الإقدام على الزواج منه، أما الذي تاب إلى الله تعالى من الكبائر أو الذي تكون منه الصغائر لا على سبيل الدوام بل على سبيل الفلتة والهفوة فلا مانع من الزواج منه, لأن هذا قلما يسلم منه أحد.
وأما سؤالك عن حكم زواجك من شاب يسمع الأغاني ثم تحاولين أنت بعد ذلك إبعاده عنها فنقول :هذا الطريق غير مأمون إذ أن القوامة بيد الرجل, ولا شك أن الرجل أقوى من المرأة وتأثر المرأة بزوجها أكبر من تأثره بها فلا تأمنين أن يجرك هو إلى هذا الإثم – عافاك الله من ذلك – فلا ينبغي للمؤمن أن يورد نفسه موارد التهلكة بحجة أنه قد ينجو.
أما سؤالك عن أنك تريدين الامتناع عن الذهاب إلى الأفراح التي بها الموسيقى ولكن بالتدرج , فنقول لك هذا لا يجوز بل عليك الامتناع فورا عن الذهاب إلى تلك الأفراح, لقول النبي - صلى الله عليه وسلم –: فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه. رواه مسلم وغيره، فقيد صلى الله عليه وسلم جانب الأمر بالاستطاعة, وأطلق في جانب النهي, فيجب ترك المنهي عنه جملة واحدة بلا قيد, قال النووي في شرحه لهذا الحديث: وأما قوله صلى الله عليه وسلم : وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه فهو على إطلاقه. انتهى.
ولذا فقد اختلف الأصوليون في الأمر هل يدل على الفور أو التراخي , لكنهم لم يختلفوا في أن النهي على الفور فينبغي المبادرة إلى ترك المنهي عنه فوراً، جاء في إرشاد الفحول: الفور في النهي ضروري لأن المطلوب الترك مستمرا. انتهى.
وأما القصة التي تذكرينها عن عمر بن عبد العزيز فقد ذكرها الشاطبي في الموافقات فقال: وفيما يحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له مالك لا تنفذ الأمور فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق، قال له عمر لا تعجل يا بني فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة فيدفعوه جملة ويكون من ذا فتنة. انتهى.
ولكن هذا ليس مما نحن فيه لأن هذا من باب السياسة الشرعية التي يتبعها السلاطين لتسيير أمور الناس, وسياسة شؤونهم على اختلاف طبائعهم وأهوائهم ومصالحهم وعاداتهم ومألوفاتهم, فالسلطان في ذلك له من العذر ما ليس للإنسان الفرد مع نفسه, وإلا فما عذر الإنسان المقيم على المعاصي وهو عاجز عن إقامة نفسه على أمر الله هل له عذر إلا الضعف والخور.
وفي النهاية نوصيك بالثبات على أمر الله سبحانه والثقة في وعده ورزقه وفرجه لعبده المؤمن, قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2، 3}.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 987 , 2351, 131.
والله أعلم.