الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في وجوب التسوية بين الأولاد في العطية، فمذهب الحنفية والمالكية والشافعية أن التسوية بينهم في العطية مستحبة وليست واجبة، واستدل هؤلاء بأن الصديق رضي الله عنه فضل عائشة رضي الله عنها على غيرها من أولاده في هبة، وأن عمر رضي الله عنه فضل ابنه عاصماً بشيء من العطية على غيره من أولاده، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في بعض روايات حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: فأشهد على هذا غيري. فلو كان عدم التسوية ممنوعا لما أمره بإشهاد غيره.
وذهب الحنابلة وأبو يوسف من الحنفية، وهو قول ابن المبارك، وطاووس وهو رواية عن الإمام مالك رحمه الله: إلى وجوب التسوية بين الأولاد في الهبة.
فإن خص بعضهم بعطية أو فاضل بينهم فيها أثم، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين إما رد ما فضل به البعض وإما إتمام نصيب الآخر، لخبر الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: وهبني أبي هبة. فقالت أمي عمرة بنت رواحة رضي الله عنها: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن أم هذا أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها، فقال صلى الله عليه وسلم: يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم، قال: كلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا، قال: فأرجعه. وفي رواية قال: اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم. وفي رواية أخرى: لا تشهدني على جور. إن لبنيك من الحق أن تعدل بينهم. وفي رواية: فأشهد على هذا غيري.
والراجح وجوب التسوية بينهم لأن تفضيل بعضهم على بعض يثير الضغائن والأحقاد، إلا أن بعض أهل العلم قد رخص في هذا التفضيل عند وجود سبب مسوغ له، كالمرض أو كثرة العيال أو الاشتغال بطلب العلم ونحو ذلك، كما في الفتوى رقم: 28403.
وبناء على هذا الرأي فلا حرج في أن يهبك أبوك من ماله ما تدفع به الحاجة عنك، لكن نرى أن حاجتك في السيارة تندفع بالإعارة وليس بالتمليك، والقاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها، وللمزيد من الفائدة انظر الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22065، 59972، 15525.
والله أعلم.