الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا حرج على المسلم أن يسأل عن صفات الملائكة وهيئاتهم، سواء عن جبريل عليه السلام أو عن غيره من باب التعلم والاسترشاد، وقد جاء في القرآن شيء من صفات جبريل عليه السلام ومن ذلك قوله تعالى: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى {النجم:5-6}، قال السعدي: ثم ذكر المعلم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو جبريل عليه السلام أفضل الملائكة الكرام وأقواهم وأكملهم، فقال: (علمه) أي: نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام (شديد القوى) أي: شديد القوة الظاهرة والباطنة، قوي على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، قوي على إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنعه من اختلاس الشياطين له، أو إدخالهم فيه ما ليس فيه، وهذا من حفظ الله لوحيه، أن أرسله مع هذا الرسول القوي الأمين (ذو مرة) أي: قوة، وخلق حسن، وجمال ظاهر وباطن. انتهى.
ومنه قوله عز وجل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ {التكوير:19-21}، قال السعدي: هو جبريل عليه السلام، نزل به من الله تعالى، كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ. ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه، وكثرة خصاله الحميدة فإنه أفضل الملائكة وأعظمهم رتبة عند ربه " ذي قوة" على ما أمره الله به، ومن قوته أنه قلب ديار قوم لوط بهم فأهلكهم "عند ذي العرش" أي جبريل مقرب عند الله، له منزلة رفيعة، وخصيصة من الله اختصه بها، "مكين" أي: له مكانة ومنزلة فوق منازل الملائكة كلهم "مطاع ثم" أي: جبريل مطاع في الملأ الأعلى، لديه من الملائكة المقربين جنود، نافذ فيهم أمره، مطاع رأيه "أمين" أي: ذو أمانة وقيام بما أمر به، لا يزيد ولا ينقص ولا يتعدى ما حد له. انتهى.
ومما ثبت في السنة في ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته التي خلق عليها فسد ما بين الأفق، وثبت فيهما أيضاً من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما انتهينا إلى بيت المقدس، قال جبريل: بإصبعه فخرق به الحجر وشد به البراق. رواه الترمذي، وقال: حسن غريب. وقال الألباني: صحيح الإسناد.
وأما سبب تسميته عليه السلام بالروح الأمين، فقال الجياني: سمى روحاً لأن النفوس تحيى به كما تحيى بالأرواح. وقال الرازي وتبعه ابن عادل: سماه روحاً من حيث خلق من الروح. وقيل: لأنه نجاة الخلق في باب الدين فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة. وقيل: لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح. وسماه أميناً لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم السلام وإلى غيرهم. وقال ابن عاشور: سمي روحاً لأن الملائكة من عالم الروحانيات وهي المجردات.. و(الأمين) صفة جبريل لأن الله أمنه على وحيه.
وقد سبق بيان صفة وهيئة الملائكة في الفتوى رقم: 21084، وكذلك سبق بيان أسماء بعض الملائكة والأمور الموكلة إليهم، وذلك في الفتوى رقم: 5989.
والله أعلم.