الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول ولم يخل بها خلوة يمكن فيها الوطء عادة وكان قد سمى لها مهراً، فقد وجب عليه لها نصف المهر، لقوله سبحانه: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ {البقرة:237}، ويستحب أن يعفو أحد الزوجين عن النصف الواجب له لصاحبه لقوله تعالى: وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة:237}، وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في المطلقة قبل الدخول هل يجب لها مع نصف المهر متعة أم لا؟ والراجح من أقوالهم وجوب المتعة لها، لقوله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا {الأحزاب:49}، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وتجب المتعة لكل مطلقة، وهو رواية عن الإمام أحمد نقلها حنبل وهو ظاهر دلالة القرآن. انتهى.
ولكن يشترط لاستحقاق المتعة ألا يكون الطلاق بسبب من المرأة، وألا يكون على الإبراء، وبذا يكون المستحق للزوجة في هذه الحالة هو سبعة عشر ألف جنيه ونصفا لأن هذا هو نصف مجموع المهر من مقدم ومؤخر، لأن القائمة ما هي إلا صورة من صور المهر.. أما قول أهل الزوجة إن هذا هو المستحق بصرف النظر عن حكم الشرع فهذا قول خطير جداً، وقائل هذا الكلام ينبغي له أن يراجع أصل إيمانه، لأن المؤمن الحق لا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يعارض حكم الله بآرائه وشهواته، قال سبحانه: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا {الأحزاب:36}، وقال سبحانه: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {النور:51}،
فعليك أن تذكرهم بذلك وأن تعظهم به فإن أصروا بعد ذلك على ما يريدون وأرادوا أخذ المبلغ كاملاً فعليك حينئذ أن تعطيهم ما ائتمنوك عليه وحسابهم على الله، لأنك لست جهة مسؤولة فلا تملك محاسبتهم، إن عليك إلا البلاغ، وأما حكم الطلاق الذي تدعيه الزوجة وينكره الزوج فالقول في ذلك قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح، إلا أن يكون لها بما ادعته بينة، وهي عدلان يشهدان بما ادعته، جاء في المغني لابن قدامة: فصل: إذا ادعت المرأة أن زوجها طلقها فأنكرها فالقول قوله، لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق إلا أن يكون لها بما ادعته بينة ولا يقبل فيه إلا عدلان ونقل ابن منصور عن أحمد أنه سئل: أتجوز شهادة رجل وامرأتين في الطلاق؟ قال: لا والله إنما كان كذلك لأن الطلاق ليس بمال، ولا المقصود منه المال ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال فلم يقبل فيه إلا عدلان كالحدود والقصاص. اهـ وأنت قد ذكرت أن هناك شهوداً على هذا الطلاق، فحينئذ يمكن للمرأة أن تستشهدهم أمام المحكمة ليشهدوا بذلك.
وأما ما ذكرت من رجوع المطلقة في نيتها التبرع بالمال للجهات الخيرية فهذا جائز إذا لم تكن قد نذرت ذلك، وإن كان الأولى أن من وعد ببر أن يفعله، وللمزيد من الفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 112055، 30001، 102057.
والله أعلم.