الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي يظهر من حالك أنك شاب حريص على الخير، ونرجو أن يغفر الله لنا ولك الذنوب، وأن تكون ممن قال الله فيهم: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التوبة:102}، ولكننا لا نسلم لك القول بأنك حاولت التوبة فلم تستطع؛ لأن الله قد وعد بإعانة كل من قصده وأقبل عليه، قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}، وأنت لا ينقصك إلا عزيمة صادقة، ونية خالصة، فإذا تحقق لك هذا فثق أن الله سيمن عليك بالتوبة، ولسنا بحاجة إلى تعريفك قبح هذه الذنوب وأدلة تحريمها، فالظاهر أن قبحها مستقر في نفسك.
والذي ننصحك به لكي تتمكن من التوبة هو الاجتهاد في الصيام، فإنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم للعاجزين عن الزواج، ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء. وعليك بالاجتهاد في الدعاء، فلقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في الزنا بأن يُطهر الله قلبه، ويحصن فرجه ويغفر ذنبه، فلم يكن شيء أبغض إليه من الزنا بعد إذ لم يكن شيء أحب إليه من الزنا، فالزم الدعاء فإنه مجلبة للخير مدفعة للشر، وصاحب الصالحين وأكثر من مجالستهم، وتقلل من الخلوة بنفسك فهي التي تحملك على مشاهدة ما لا يجوز، وفعل ما لا يحمد، واشغل نفسك بالوظائف النافعة ومن أشرفها حفظ القرآن، وأملأ وقت فراغك بما يعود عليك بالنفع في الدين أو الدنيا فإنك إن فعلت هذا رجونا أن يمن الله عليك بالتوبة العاجلة.
واعلم أنه لا حكم لقطرات البول والمذي ما دامت داخل الذكر، وإنما يكون لها حكم إذا خرجت إلى خارجه، وأنت إذا كنت مصاباً بالسلس بحيث لا ينقطع الخارج وقتاً يتسع للطهارة والصلاة فلا يجب عليك إلا ما يجب على المعذور، وهو الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها، ثم تصلي بذلك الوضوء الفرض وما شئت من النوافل وذلك بعد تطهير المحل من النجاسة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 56252.
ولا يلزمك إعادة ما مضى من صلاة لأن الظاهر أن صلاتك وقعت صحيحة، وعليك إذا أديت الصلاة ألا تعيدها فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن فعل الصلاة في اليوم مرتين. رواه أبو داود وصححه الألباني. والظاهر أن تسببك في خروج هذا المذي وإن حدث بفعل محرم لا يزيل عنك وصف العذر، وإن كنت آثماً ملوماً على ما أتيت به، لأن المعذور هو من يستغرق حدثه جميع الوقت، وهذا الوصف ينطبق عليك، ولا يجوز لمسلم ترك الصلاة وإخراجها عن وقتها بحال، فليس من طريق إلا فعلها مع ما ذكرنا لك من التحفظ والوضوء بعد دخول الوقت إن كنت قد بلغت حد السلس؛ وإلا فعليك انتظار زمن انقطاع الخارج ثم تتطهر وتصلي، وليس معنى هذا أن تتساهل في فعل الذنب، وأن يسول لك شيطانك أنه طالما صحت صلاتك فلا حرج عليك، بل عليك أن تتذكر دائماً أن الله شديد العقاب وأن السموات والأرض لا تقوم لغضبه.
وأما الجمعة فقد بينا في الفتوى رقم: 112474 أن المعذور يمكنه أن يتوضأ قبل الزوال بوقت يسير ويأتي الجمعة عملاً بقول من يجيز ذلك، وكذا الجنازة، فإذا كنت توضأت للفريضة فيمكنك أن تصلي بهذا الوضوء صلاة الجنازة ما دام الوقت لم يخرج، وعليك أن تحرص على الصلاة في المسجد في جماعة، وإياك أن تفكر في ترك الصلاة أو التهاون فيها، فإن ذلك هو البلاء العظيم والشر المستطير، وحينئذ ستكون المشكلة أكبر، واحذر من الوسوسة فإنها شر عظيم ومدخل من مداخل الشيطان على العبد.
والله أعلم.