الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن خير الحب ما كان في الله ولله، فقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أسباب وجدان محبة الإيمان, محبة المرء لله فقط، ففي الحديث المتفق عليه: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار.
وعلامة هذا الحب أن يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. فذكر منهم: ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: ويحتمل أَنَّهُ أراد أنهما اجتمعا عَلَى التحاب فِي الله ، فإن تغير أحدهما عما كَانَ عَلِيهِ مِمَّا توجب محبته فِي الله فارقه الآخر بسبب ذَلِكَ، فيدور تحاببهما عَلَى طاعة الله وجوداً وعدماً.
قَالَ بعض السلف: إذا كَانَ لَكَ أخ تحبه فِي الله، فأحدث حدثاً فَلَمْ تبغضه فِي الله لَمْ تكن محبتك لله - أو هَذَا المعنى. انتهى .
وهذا لا يختص بالرجال بل يشمل الرجال والنساء, بمعنى إذا أحبت المرأة المرأة في الله اجتمعتا على ذلك وتفرقتا على ذلك فقد دخلا في هذا الوعد.
ولكن ينبغي على المرء أن يحذر من مزالق الشيطان، وأن يكون على بصيرة من أمره، فكثيرا ما يبدأ الحب بين المتحابين ويكون في الله ثم يتحول إلى ما سوى ذلك, ولذا فإنا ننصحك – أيتها السائلة - بالاقتصاد في محبة الأشخاص, وعدم الإفراط فيها لأن الإفراط في ذلك قد يفتح أبواب الشيطان ويؤدي إلى مجاوزة الحد المشروع إلى ما لا يشرع وما لا يجوز. فأحيانا يبدأ الأمر بين الأصدقاء ويبدو وكأنه حب عادي ثم لا يلبث أن يدير الشيطان دفته إلى العشق والتعلق, فيقع المحظور ويخرج الأمر من دائرة الإباحة إلى دائرة المنع والتحريم.
وقد روى أبو داود وغيره عن رسول الله قال: أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما. صححه الألباني .
ثم نؤكد على أن أمر الصديق عظيم, فلا بد من الاهتمام به واختياره بعناية كبيرة لأن الإنسان سرعان ما يتأثر بأخلاق صاحبه شاء أم أبى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. رواه أبو داود وغيره وحسنه الألباني.
قال في عون المعبود: على دين خليله: أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته.
وروى البخاري ومسلم عن رسول الله أنه قال: إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة.
ثم إن قولك: إنك تحبين قربها دائما, وتحبين حضنها كثيراغير لائق ولا مستحسن؛ بل هذا مما يعده أهل التربية والسلوك من علامات التعلق المذموم الذي هو طريق العشق المحرم , فكوني على بصيرة من أمرك واحذري خطوات الشيطان وتزيينه لك, واشتغلي بما يعود عليك بالنفع في أمر دينك ودنياك, فإن من أسباب اشتغال القلب بمثل هذه الأمور ما يعيشه الإنسان من الفراغ والبطالة وترك عمارة الأوقات بما يصلح الدين والدنيا. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 8424.
والله أعلم.