الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبمجرد موت أبيكم، فقد صار هذا البيت تركة لورثته على قدر حصصهم من الميراث، فإذا كانت أختك الكبرى لم تأخذ نصيبها من تركة أبيكم، فلا شك أن لها نصيبا من هذا البيت، فلا يجوز لكم منعها من السكن فيه، أما وعد أبيكم لها في حياته فلا أثر له، لكن ليس من حق زوجها أن يخرجها من البيت ويجبرها على الإقامة عندكم، فما دامت في عصمته فمن حقها عليه النفقة والسكن، وليس له تبرير ذلك بمرضها وحاجتها للرعاية، فإن بنتيها يجب أن يقوما برعايتها، وينبغي له أن يلزمهم بذلك.
فعليكم أن تبينوا لزوجها واجبه نحو زوجته وبناته، وتستعينوا بمن له تأثير عليه من أقاربه أو أصحابه.
أما إذا تخلى زوجها عنها وطلبت أن تقيم معكم، فليس لكم منعها من ذلك، على أن يقوم برعايتها بناتها، وعلى كل حال، فلا يجوز لك أن تقصري في رعاية أمك فهذا من أعظم الواجبات عليك، ولا يجوز لك أن تتركي البيت، وتذهبي إلى مدينة أخرى للدراسة أو غيرها، ما دامت أمك في حاجة إليك، ولا يوجد من يرعاها ويقوم على شؤونها غيرك، كما أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بغير محرم، ولا أن تقيم بمفردها.
وننبه السائلة إلى أن مقياس النجاح ليس بالدرجات الوظيفية أو المناصب الدنيوية، وإنما أعظم نجاح للإنسان الاستقامة والتوفيق لطاعة الله، ولا شك أن بر الأم ورعايتها من أعظم الطاعات بعد الإيمان بالله، وهو من أقوى أسباب رضا الله عن العبد وتوفيقه في أمور دينه ودنياه، فأبشري خيراً ببركة برك بأمك، فما دمت قاصدة بذلك وجه الله، فسوف تجدين أثر ذلك، ولن يضيع الله جهدك وصبرك، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {يوسف:90}.
والله أعلم.