الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالظاهرُ لنا أنك قد عرفت علاج مشكلتك، فلا ينقصكَ العلم إذاً وإنما تنقصكَ إرادةٌ قوية تحملكَ على تنفيذ ما علمت وجعله واقعاً ملموساً، وهذه الإرادة تحصل لك بالاستعانة بالله عز وجل، والاجتهاد في الدعاء، ثم بطرح الوسوسة والشكوك وراء الظهر مهما تعددت أسبابها واختلفت صورها، فإنكَ كما يبدو كلما عالجتَ لوناً منها نبتت في قلبكَ على لونٍ آخر، وعلاج ذلك كله أن تستحضر رحمة الله بعباده فهو سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها، فلم يكن تعالى ليعنت عباده أو ليشق عليهم بتكليفهم مالا يطيقون، ثم اعلم أن الشيطان ليس لك بناصح، ولا هو على عبادتك حريص، وأنت تعلم أنه هو الذي يوسوس لك بهذه الوساوس في أمر النية والطهارة وغيرها.. فعليكَ كلما وسوس لك أن تستحضرَ نوعاً من أنواع العبودية هو عبودية المراغمة أي مغايظة أعداء الله وعلى رأسهم الشيطان، فأنت كلما طردت وسواسه عنك كبته وقهرته وأصبته بالحسرة، فإذا استحضرتَ أنها حربٌ دائرةٌ بينكَ وبينه، وأن وسيلة النصر فيها هيَ أن تحرس ثغر قلبك فلا تمكنه من أن يطرح فيه الوساوس والشكوك كان ذلك عوناً لك على التخلصِ من هذا البلاء، ولا مانع من أن تستعين على علاج ما تجد بطبيبٍ نفسيٍ ثقة ذي دين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتداوي وشرعه لأمته.
وأما أمرُ المذي فإنه لا يخرجُ إلا عند اشتداد الشهوة كما ذكر العلماء، وذلك بأن توجد قرائن تدلُ على خروجه كانتصاب العضو مثلاً، وأما أن يكون المذي يخرج كلما ذُكرت النساء فهذا وهمٌ حملكَ عليه ما تجدُ من الوسواس، فإذا تحققت من خروج المذي بعد وجود أماراته الظاهرة، فاعلم أن الواجب منه هو غسل الذكر نعني غسل الموضع الذي خرجَ منه المذي وهو رأس الذكر، وأما غسل الأنثيين (الخصيتين) فقد ورد الأمر به في حديثٍ رواه أبو داود والأحاديث الثابتة في الصحيحين ليسَ فيها الأمر بغسل الأنثيين، وطريقُ الجمع أن يقال أن غسل الأنثيين مستحبٌ لا واجب، ولا يجبُ خلع السراويل عند غسل الذكر والأنثيين، بل يكفي أن يصب الماء على ذكره وأنثييه حتى يعلمَ أو يغلب على ظنه أنه قد وصل إلى جميع ما يُراد غسله، ويجب غسل ما أصاب البدن من المذي، وأما ما أصاب الثياب منه ففيه خلافٌ معروف، فمذهبُ أحمد وجماعة من أهل العلم أنه يُكتفى فيه بالنضح أي الرش وهو الذي نُفتيكَ به.
والخلاصة: أن عليكَ ترك الوسواس في أمر النية بل اجزم بها وادخل الصلاة غير شاكٍ فيها، وأمر خروج الريح فأعلم أن الشيطان ليس له تحكمٌ في ذلك، بل أقبل على صلاتك بقلبٍ خاشع جازماً بنيتها في قلبك ولا تتلفظ بها بلسانك، وأعرض عن كل ما يشغلك عن صلاتك، وأقبل على ربك عز وجل متفكراً في أذكار الصلاة، معرضاً عما سوى ذلك، وكذلك أعرض عن الوسوسة في أمر خروج المذي ولا تلتفت إلى الشكوك والوساوس فإن وجدت قرائن ظاهرة تدلُ على خروجه فيمكنك حينئذٍ أن تتحقق من الأمر، لأن المذي قد لا يُشعر بخروجه كما قال العلماء، ثم الطهارة منه على الكيفية التي ذكرناها.
والله أعلم.