الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن هذا الزوج قد أساء وبغى وقابل نعم الله سبحانه بالجحود والنكران، فإن من أعظم نعم الله على العبد أن يمن عليه بزوجة صالحة، إن استقام على أمر ربه أعانته، وإن غفل ذكرته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة. رواه النسائي وغيره وصححه الألباني.
وقد أحسنت – أحسن الله إليك – عندما امتنعت عما طلبه منك من المعاصي ومشاهدة مشاهد الزور والمجون، وإن من الغرابة جرأة هذا الزوج على أن يأمر زوجته بمعاصي الله وانتهاك حدوده في أفضل أيام العام في شهر الصيام، ويريدها أن تخرج لسماع الأغاني الماجنة، ومشاهدة الرقص والفجور وغير ذلك مما تشتمل عليه هذه الأماكن، وهل هذا إلا ضرب من الدياثة وقلة الغيرة والحياء؟
وإن من جحوده أيضا لنعم الله عليه أن يمنع زوجته الأولى حقوقها التي أوجب الله لها من المبيت والقسم والسفر معه إذا سافر وغير ذلك، فإن الزواج نعمة لا يقدرها كثير من الناس، والزواج بثانية نعمة أخرى وكلما تتابعت نعم الله على العبد وجب عليه أن يجتهد في الشكر لا أن يقابلها بالعصيان، وقد سبق أن بينّا أن العدل بين الزوجات فرض على الإنسان لا يسعه تركه، بل إن شرط التعدد هو العدل. قال سبحانه: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ {النساء:3}،، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.
قال ابن حزم رحمه الله في المحلى: والعدل بين الزوجات فرض، وأكثر ذلك في قسمة الليالي. انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: وكان يقسم صلى الله عليه وسلم بينهن في المبيت والإيواء والنفقة.. ولا تجب التسوية في ذلك أي الحب والجماع لأنه مما لا يملك. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يجب عليه العدل بين الزوجتين باتفاق المسلمين، وفي السنن الأربعة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له امرأتان ......" فعليه أن يعدل في القسم فإذا بات عندها ليلة أو ليلتين أو ثلاثا بات عند الأخرى بقدر ذلك لا يفضل إحداهما في القسم. اهـ من مجموع الفتاوى.
أما بالنسبة لسفر زوجك فالظاهر أنه قد استقر في مكان سفره، فإن كان الأمر كذلك فعليه حينئذ أن يأخذك إلى حيث استقر إلا أن تتنازلي أنت عن ذلك، فإن لم يفعل ومنعك حقك في القسم عند ذلك يمكنك طلب الطلاق منه للضرر الواقع عليك بذلك، وتراجع الفتوى رقم: 56440.
وأما بالنسبة للدعاء على زوجك فلا شك أنه ظالم، والدعاء على الظالم مشروع، وقد سبق لنا بيان حكم ذلك في الفتوى رقم: 22409، ولكن الأولى أن تتركي الدعاء عليه، وأن تطالبيه بالعدل وأن يبذل لك سائر حقوقك، فإن استجاب وإلا فاطلبي منه الطلاق، ولعل الله سبحانه أن يرزقك زوجا صالحا بعده يحقق لك ما تصبو إليه نفسك من الرحمة والمودة والطمأنينة والرأفة بك وبأولادك.
وفي النهاية فإنا ننبهك إلى أمرين:
أولا: لا يجوز لأحد أن يتدخل في شؤون الله سبحانه من التعذيب والإهلاك وإنزال العذاب بالبغاة الظالمين، لأننا عبيد مقهورن وأنّى للعبد أن يتدخل في شؤون مولاه، وقد قال الله لنبيه ومصطفاه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ {آل عمران: 128}.
ثانيا: عدم جواز سفر المرأة وحدها للعمرة بل لا بد من زوج أو محرم يصحبها وإلا فلا تسافر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم. رواه الشيخان، ولهما أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك.
وهذا بخلاف حج الفريضة فإن الراجح أن الرفقة المأمونة فيه تسد مسد المحرم عند عدمه أو تعذره. وللفائدة تراجع الفتاوى التالية: 77512، 34111، 17609.
والله أعلم.