الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اشتمل سؤالك على أمرين:
الأول: هبة الوالد لكم في حياته ما ذكرت من المسكن والأرض، فالواجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية، وسبيل ذلك عند جمع من العلماء هو أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين كما في الميراث، كما أن تفضيل الأبناء بعضهم على بعض من غير مسوغ من حاجة أو عوز هو نوع من الظلم. وإن خص الأب بعض أبنائه بعطية أو فاضل بينهم بدون داع إلى ذلك أثم ووجبت عليه التوبة بأحد أمرين، إما برد ما فضل به البعض وإما بإعطاء الآخر ما يتم نصيبه. قال ابن قدامة في المغني. فإن مات الأب قبل أن يرجع عن جوره ردت الهبة على الراجح. وقد سبق بيان ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 6242، 14254، 8147، 78654، 93877، 100796.
الأمر الثاني: وصية الوالد التي أوصاها لأخيك فالوصية للوارث لا تجوز إلا إذا أجازها الورثة، وقد روى الترمذي عن عمرو بن خارجة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على ناقته فسمعته يقول: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ولا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
والإضرار في الوصية محرم شرعاً كما قال الله تعالى: مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ.{النساء:12}.
ومن الإضرار فيها الوصية بأكثر من الثلث، والوصية بقصد حرمان الآخرين أو نقص أنصبائهم، فإن الله سبحانه وتعالى قد تولى قسمة التركات بنفسه ولم يكلها إلى نبي مرسل ولا ملك مقرب، وتصدق على صاحب المال بثلث ماله يضعه في وجوه البر والخير، فيجب على المسلم أن يلتزم بذلك ولا يتعدى حدود الله. قال تعالى: وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ.{النساء:14}.
فالذي ننصحك به أن تنصحي أخاك في رفق ولين وتبيني له الأدلة الشرعية على عدم جواز الوصية للوارث إلا بإذن الورثة ويمكنك الاستعانة بأهل الخير والصلاح في ذلك، وإن كنت محتاجة لهذا الميراث وكان في ترك المطالبة به ضرر عليك أو الوقوع في محظور شرعي كالعمل في مكان مختلط فالذي ننصحك به أن تطالبي به ، وأما إن كنت في كفاية ولن تكوني مضطرة للعمل المختلط وغير محتاجة لهذا الميراث ورأيت أن تنازلك عن بعض حقوقك سيكون فيه إصلاح ذات بينكم فيجوز لك أن تتنازلي عن نصيبك من الميراث إذا طابت نفسك بذلك وفي ذلك أجر للهبة ولصلة الرحم، ولا مانع شرعاً من التنازل عن الميراث فهو كغيره من أنواع الهبة، إذا استوفى شروط الهبة مضى، وإلا فلا يمضي ، ولا شك أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ونسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك وأن يبارك لك في مالك. ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة الفتاوى الآتية أرقامها: 1445 ، 9088، 26630، 66519، 99714.
والله أعلم.