الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا القول المذكور يعتبر من كنايات الطلاق فإذا قصد صاحبه به إيقاع الطلاق وقع وإلا فلا, إلا إذا كان الأب قد وصل لحالة من الغضب لا يستطيع معها التمييز حينئذ لا يقع الطلاق ولو قصده.
أما بخصوص رفع الابن صوته على والديه فإنه لا يجوز, وهو يتنافى مع ما أمر الله به من برهما وتوقيرهما, ولكن لا يكون هذا الفعل بمجرده عقوقا, بمعنى إذا كان هذا الابن سيرته دائما مع والديه هي البر والتوقير فلا يعد هذا الفعل منه عقوقا بل يرجى أن يتجاوز الله عنه, وأن يغفره له إذا تاب منه لقوله سبحانه: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا. {الإسراء:25}.
قال القرطبي عند تفسيره لهذه الآية: وقال ابن جبير: يريد البادرة التى تبدر، كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال الله تعالى: إن تكونوا صالحين أي صادقين في نية البر بالوالدين فإن الله يغفر البادرة. وقوله: فإنه كان للاوابين غفورا. وعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة. انتهى.
أما إذا كان الابن دائم الإساءة لوالديه فإن هذا الفعل يكون عقوقا من جملة العقوق وإساءة كسائر الإساءات, وعلى كل حال فعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه من فعله هذا.
أما واجب الابن تجاه ما يفعله أبوه من معاص كالتقصير في الصلوات, وما يعتقده من خرافات فهو النصيحة بأسلوب لين حكيم دون عنف ولا تقريع بل برفق وتودد وحسن خطاب, والسعي المتواصل من أجل صرفه عن هذه المعاصي والخرافات الذميمة، ويمكنه أن يستعين عليه بأهل العلم والخير الذين هم موضع ثقة أبيه, وأن ينقل له فتاوى العلماء الذين يعتد بهم أبوه, ويرجع إلى أقوالهم.
فإذا أصر الأب على حاله، فيلزم الابن الإحسان إليه، ومصاحبته بالمعروف, وطاعته إلا في المعصية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
قال سبحانه: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون {لقمان: 15}.
وللفائدة تراجع هاتان الفتويان: 30621، 107035.
والله أعلم.