الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أولا أن اختصاص قريش بالخلافة هو تشريع رب العالمين سبحانه وتعالى، والذي جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا أدلة هذا الأمر وحكمته بالفتوى رقم: 26262، والفتوى رقم: 93979.
وعلى هذا فالله عز وجل هو الذي خص الخلافة بقريش، وليست قريش هي التي فعلت ذلك، وقد نقل النووي إجماع العلماء على أن الخلافة في قريش، وأنه لم يخالف في ذلك إلا بعض أهل البدع، قال رحمه الله في شرحه على صحيح مسلم: هذه الأحاديث وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرض بخلاف من غيرهم فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي: اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة قال: وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد. قال القاضي: وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار. قال: ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش. اهـ.
ثم إن هذا الأمر مقيد، فإن الإمام يكون من قريش ما أقام شرع الله تعالى كما جاء بذلك الحديث: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين. رواه البخاري.
فإذا لم يقم الخليفة شرع الله تعالى فإنه يعزل، ولذا تكلم العلماء في كتب السياسة الشرعية عن مسألة عزل الخليفة. وانظر ما ذا قال أبو بكر رضي الله عنه في خطبته بعد أن ولي الخلافة، روى عبد الرزاق في مصنفه عن معمر قال حدثني بعض أهل المدينة، قال خطبنا أبو بكر فقال: يا أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن ضعفت فقوموني وإن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، الضعيف فيكم القوي عندي حتى أزيح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم الضعيف عندي حتى آخذ منه الحق إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالفقر، ولا ظهرت - أو قال شاعت - الفاحشة في قوم إلا عممهم البلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم.
هذا بالإضافة إلى أن إدارة الدولة ليست محصورة في الخليفة وحده، بل له معاونوه وولاته، والذين من الممكن أن يكونوا من قريش أو من غيرها، فيولي الأصلح في ذلك.
وليس الأمر أمر دعوة إلى عصبية وإنما وراء ذلك حكم ومصالح يعلمها العليم الخبير، وليس في تولي أمر الأمة تشريف، وإنما هو تكليف يسأل عنه صاحبه أمام الله تعالى يوم القيامة، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته.....الحديث.
ونختم بالقول بأنه ينبغي أن ينظر إلى مثل هذا الأمر من منطلق ما جاء به الشرع بعيدا عن التأثر بالثقافات الوافدة والتي أساسها نظريات لا تمت إلى الدين بصلة.
والله أعلم.