الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن شأن النية عظيم وخطرها جسيم، وهي إذا صلحت فقد يبلغ العبد بها ولو لم يصحبها عمل ما لا يبلغه العاملون بأعمالهم، ولهذا ورد : نية المؤمن خيرٌ من عمله. وفيه مقال.
وقد دلت النصوص بكثرة على أن من نوى العبادة وكان صادقاً في نيته وحيلَ بينه وبين فعله بأمرٍ خارجٍ عن إرادته فإن له ثواب الطائعين.
قال الله عز وجل: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ{النساء :100}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه أخرجه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو راجعٌ من تبوك: إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، شاركوكم في الأجر ، قالوا يا رسول الله: وهم بالمدينة ، فقال بالمدينة حبسهم العذر. أخرجه البخاري من حديث أنس، ومسلم من حديث جابر.
وفي جامع الترمذي من حديث أبي كبشة الأنماري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان فهو ونيته فأجرهما سواء..الحديث ...
فهذه النصوص وغيرها كثير دالةٌ بوضوح على أن من صدق النية ثم حيل بينه وبين العمل فله نصيبٌ وافرٌ من الأجر بحسبِ صدق نيته، وإن كان هذا لا يمنع أن من تفضل الله عليه ووفقه للعمل يُحصّل أجراً أوفر وثواباً أكبر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وبهذا تعلم أن من نوى الحج ثم حيل بينه وبين فعله لعذرٍ كعجزٍ عن بلوغ البيت أو مات قبل التمكن من أداء النسك فإنه قد فعل ما عليه فهو مأجورٌ إن شاء الله بقدر صدق عزمه وإخلاصه في نيته ويكتب له ما نوى، والله عز وجل جوادٌ كريم فهو لا يضيعُ أجرَ من أحسن عملا.
والله أعلم.