الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنريد أولاً أن ننبه إلى أن العقد لا يشترط لصحته قراءة الفاتحة بل اعتبرها كثير من أهل العلم بدعة، وإذا وقع العقد الصحيح سواء قرئت فيه الفاتحة أم لا، فإن ذلك يترتب عليه أثر الزوجية ويبيح لكل منهما من الآخر ما يباح بين الزوجين، فما فعل صديقك أيها السائل من الاختلاء بهذه الفتاة وما ترتب على ذلك مما ذكرت أمر محرم لا يشك في تحريمه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. أخرجه مسلم.
ففي هذا الحديث دلالة على منع خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية، فما بالك بتبادل القبلات والأحضان وغير ذلك، لا شك أنه انتهاك لحرمات الله تعالى وتجاوز لحدوده، والتقدم للخطبة لا يبيح الاختلاء بالمخطوبة حتى ولو وافق أهلها ورضوا به زوجاً، فالمخطوبة أجنبية حتى يتم العقد الشرعي عليها.
أما ما حدث بينهما فإن كان قد حدث إيلاج للذكر في فرج المرأة بالحشفة أو بقدرها فهذا هو الزنا الموجب للحد، جاء في حاشية الجمل في تعريف الزنا: فيقال في تعريفه شرعاً هو: إيلاج حشفة أو قدرها في فرج محرم لعينه مشتهى طبعاً بلا شبهة. انتهى.
فلو حدث هذا الإيلاج فقد حدث الزنا ولو كان بحائل كأن كان من وراء الملابس ونحو ذلك، جاء في مغني المحتاج: وحقيقته الشرعية الموجبة للحد (إيلاج) حشفة أو قدرها من (الذكر) المتصل الأصلي من الآدمي الواضح ولو أشل وغير منتشر وكان ملفوفاً في خرقة (بفرج) (محرم) في نفس الأمر (لعينه) أي الإيلاج (خال عن الشبهة) المسقطة للحد (مشتهى) طبعاً بأن كان فرج آدمي حي. انتهى بتصرف.
فتأمل قوله (وكان ملفوفاً في خرقة) فإنه صريح في أن الذكر لو كان ملفوفاً بخرقة أو تم الإيلاج من وراء ثياب فإنه زنا، أما إذا لم يحدث هذا الإيلاج فليس هذا بالزنا بل هو من مقدمات الزنا، ولا حد فيها بل فيها التعزير البليغ الذي يراه الحاكم رادعاً وزاجراً..
أما إذا حدث شك في حدوث الإيلاج أو عدمه -وهذا مستبعد- فلا يأخذ هذا الفعل حكم الزنا، لأن القاعدة المتقررة شرعاً -أن اليقين لا يزول بالشك بل لا يزول إلا بيقين مثله- أي أن الأمر المتيقن ثبوته لا يرتفع إلا بدليل قاطع، ولا يحكم بزواله لمجرد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته لا يحكم بثبوته بمجرد الشك، لأن الشك أضعف من اليقين فلا يعارضه ثبوتاً وعدماً.
وللفائدة في ذلك تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 22226، 20064، 5779.
والله أعلم.