الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يكن يجوزُ لكَ أن ترفض عمرتكَ لأجل المرض الذي عرض لك، وإنما كان يلزمكَ أن تبقى محرماً حتى تتمكن من إتمام النسك، فكثيرٌ من أهل العلم يرون أن الإحصار لا يكون إلا بالعدو، وعلى القول أن الإحصار يكون بالمرض أيضاً وهو الراجح، فالظاهرُ أنك لم تكن محصرا، ثم إنك من مكانٍ قريبٍ من مكة فلا يُضرُ بكَ بقاؤك محرماً حتى تُشفى من مرضك ثم تتم النسك، وليس رفض العمرة بالأمر السهل الذي يُقدَمُ عليه لأدنى عارض، بل قد أجمع العلماء على أنه لا يخرجُ من النسك برفضه وانظر الفتوى رقم: 14023، فعليكَ أن تستغفر الله مما ألممت به، وأن تعلم أنك باقٍ على إحرامك لم تزل، فعليكَ الآن أن تمتنع مما يمتنع منه المحرم، ثم تقصدُ إلى مكة لأداء النسك، فإن عجزت فحكمك حكم المحصر تتحللُ من إحرامك بهديٍ تذبحه، لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ {البقرة: 196} فإن عجزت عن ذبح الهدي فعليك صيام عشرة أيام قياساً على المتمتع الذي لا يجد الهدي.
وأما ما ارتكبته من المحظورات في تلك السنين فالظاهرُ أنه كان عن جهل، والصحيح أن من لم يتعمد المخالفة فلا تبعة عليه، لقوله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب: 5}.
وأما زوجتك فإن كانت اشترطت عند إحرامها ثم رفضت إحرامها لغير مانع شرعي فعليها مثلُ ما عليك من القدومِ إلى مكة وإتمام نسكها، غير أنها إن عجزت عن إتيان مكة تحللت وليس عليها شيء، وينفعها شرطها في هذه الحال، وإنما قلنا إنه يلزمها إتمام النسك لأنها باقيةٌ على إحرامها، فإن الاشتراط إنما ينفع إذا حبس المحرم عن إتمام النسك حابس يصيرُ به محصرا، فيتحللُ حينئذ وليس عليه هدي، أما أن يحل المشترط من غير عارض فلا يجوزُ هذا بحال.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: وفائدة هذا الشرط: أن المحرم إذا عرض له ما يمنعه من تمام نسكه من مرض أو صد عدو جاز له التحلل ولا شيء عليه. انتهى. "مجموع فتاوى ابن باز" (17/50). وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: أما فائدة الاشتراط: فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنعه من إتمام نسكه تحلل بدون شيء، بمعنى تحلل، وليس عليه فدية ولا قضاء. انتهى. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (22/28).
والله أعلم.