الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبداية نسأل الله تعالى أن يصلح حال أمك ويعينك على برها، ثم اعلمي أيتها الأخت أن من ابتليت بأم هذه حالها عليها بالصبر، ومقابلة الإساءة منها بالإحسان والبر، فإن دمت على ذلك نلت الأجر المضاعف من ربك سبحانه, واعلمي أن أجرك في تحمل أذى أمك يتضاعف كلما كانت أشد وأقسى في معاملتك، فلا تحزني ولا ينفد صبرك، وتعزي بما يدخر لك من الأجر الوافر عند الله تعالى، فإن هذه الأيام قصيرة جداً وخفيف ما فيها إلى جانب أيام الآخرة، قال سبحانه في حق الوالدين المشركين: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.
قال الألوسي – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية: وذكر في الدنيا لتهوين أمر الصحبة والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء فلا يضر تحمل مشقتها لقلة أيامها وسرعة انصرامها.
ثم عليك أيتها السائلة أن تتوبي إلى الله سبحانه وتكثري من الاستغفار لذنوبك فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة. قال سبحانه: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}
أما دعاؤها عليك فطالما أنك تقومين بحقوقها عليك فلن يضرك هذا الدعاء؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.
وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم في الحديث السابق : ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة الوالد على ولده... لأن الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه, قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.
ولا شك أن الأم قد أخطأت بالدعاء عليك، وخالفت في ذلك أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – القائل: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ... الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.
وأما راتبك ومالك فما دمت تنفقين منه على نفسك، فإنه لا يحق لأمك أن تأخذ منه شيئا إلا برضاك وطيب نفسك, وقد بينا حكم ذلك بالتفصيل في الفتوى رقم: 112088.
أما رفضها للخطاب لأجل إعناتك وحرمانك من الزواج فهذا منكر عظيم وإثم كبير وعدوان عليك وقطع لرحمك وتضييع لوصية الله فيك ـ سامحها الله على ذلك – ولتعلمي أنه ليس لها من أمر زواجك شيء، بل أبوك هو أملك الناس بتزويجك, فإذا جاءك خاطب فأرسليه إلى أبيك وهو يتولى تزويجك، ولو لم توافق أمك على زواجك, لأن معارضتها محض البغي والعدوان.
أما مساعدتك لأبيك فهي واجبة عليك إذا لم يكن معه من يساعده غيرك, ولذا فلا تطيعي أمك في التخلي عن أبيك ومقاطعته، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وننصحك أن توسطي بعض أهل الخير والصلاح من أقاربك أو جيرانك ممن لهم عند أمك وجاهة, وتقصين عليهم ما أهمك وآذاك من شأن أمك ليمنعوها عن ظلمها, ويصدوها عن أذاها.
وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 62735 ، 21067 ،79076 .
والله أعلم.