الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالدراسة في بلاد غير المسلمين فيها من المفاسد ما لا يخفى، ومن هذه المفاسد الاختلاط المذموم بين الشباب والفتيات وهو شر مستطير وإثم كبير حيث يفضي إلى محرمات عظيمة ومفاسد كبيرة أقلها ذهاب حياء المرأة، ولكن طالما ذكرت أنك قد انتقلت لهذه البلاد لأسباب اضطرارية فالضرورة لها أحكامها ومنها إباحة الولوج في المنهيات بقدر ما تندفع به الضرورة, فإن كنت بحاجة أو مضطرة لمثل هذه الدراسة بهذه البلاد فعليك بالحجاب الشرعي والتحفظ والاعتزال وغض البصر وحفظ الفرج، وعدم القرب من مواضع الاختلاط قدر المستطاع، هذا وقد أرشد القرآن الكريم إلى نموذج رائع يحتذى به إذا كان ثم ضرورة أو حاجة وذلك فيما حكاه الله عن بنتي شعيب وشأنهما مع موسى صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ {القصص: 23}.
فلما دعت الحاجة إلى خروج المرأتين خرجتا ولكنهما احتاطتا لأنفسهما، فلهذا كانتا لا تردان حتى تخلو البئر لهما، ووجد من دونهم امرأتين تذودان أي تكفان غنمهما عن السقيا وعن مخالطة الناس حتى ينتهي القوم من سقياهم . وقد اجتهدتا في تحصيل ما يغنيهما عن الخروج من المسكن كما دل عليه قوله تعالى حكاية عن إحداهما: قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {القصص: 26}.
وذلك لأنها تبحث عن حل للقيام بهذه المهمة، وهذه القصة من جملة القصص التي قصها الله في كتابه العزيز للاعتبار بها والتأسي بأصحابها وهم الأنبياء وأتباعهم، ولذلك قال عنهم في آية أخرى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ {الأنعام: 90}.
وعلى ذلك فلا حرج عليك في العمل في مجال مباح بالضوابط الشرعية لأجل سداد دينك طالما أنك تقدرين على إقامة شرائع دينك ولا تخشين على نفسك الفتنة في الدين حال إقامتك في هذه البلاد.
والله أعلم.