الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب أن يعتقد المسلم أن كلام الله حق، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه تنزيل من حكيم حميد، وأن توهم دخول التناقض عليه، أو الخلف في حقائقه راجع إلى فهم الإنسان: {وَكَانَ الإنسان عَجُولاً} {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}.
وما تضمنته الآية الكريمة من ضرب الذلة والمسكنة على اليهود جاء مفسراً موضحاً في آية أخرى، قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران:112]. وحبل الله: عهده وذمته، وحبل الناس: حلفهم ونصرهم.
قال العلامة الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير): والمعنى: لا يسلمون من الذلة إلا إذا تلبسوا بعهد من الله، أي ذمة الإسلام، أو إذا استنصروا بقبائل أولي بأس شديد، وأما هم في أنفسهم فلا نصر لهم. اهـ.
وهذا هو واقع اليهود اليوم، فإن كثيراً من أمم الكفر تمدهم وتعينهم، وتقف إلى جانبهم، وهذا ما يرفع عنهم قدراً كبيراً من الذل، أو يرفع عنهم الذل الظاهر، وأما ذل القلوب والأفئدة، فهو مصاحب لهم لا يفارقهم، (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [آل عمران:111]. وقال تعالى: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [الحشر:14].
وهذا الذل الذي في القلب، يظهر أثره على الوجوه، كما قال الحسن البصري -رحمه الله- في أهل المعصية: إنهم وإن هملجت بهم البراذين، وطقطقت بهم البغال، فإن ذل المعصية في وجوهم، أبى إلا أن يذل من عصاه. اهـ.
والله أعلم.