الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله سبحانه أن يرزقك الزوج الصالح الذي يحقق لك ما تتمنين، وأن يرزقك الذرية الصالحة التي تقر بها عينك، واعلمي أيتها السائلة أنك إن ظفرت بزوج صالح صاحب خلق ودين فقد أوتيت خيراً كثيراً، ورزقت كنزاً عظيماً، فلا ينبغي لك أن ترفضيه أو أن تفرطي فيه، خصوصاً في ظل هذه الأزمان التي قل فيها أهل الدين وندر فيها أصحاب الأخلاق الكريمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. رواه الترمذي وحسنه الألباني.
ولكنا مع هذا نقول.. إن تقدم للمرأة صاحب دين وخلق ولم تشعر بارتياح نحوه أو أحست أن اختلاف العادات أو القدرات العقلية أو مستوى التفكير قد يسبب لها بعض المتاعب والمشكلات فلا لوم عليها في رفضه، لأن عقد النكاح عقد خطير لا بد وأن يحاط بما يضمن نجاحه واستمراره، ومن أهم تلك العوامل أن يتزوج الرجل بمن تطيب له ويطمئن إليها قلبه، وكذلك المرأة تتزوج بمن يغلب على ظنها أنه يلائمها في طباعه وأخلاقه وعقله.. وعلى ذلك فليس هناك حرج في رفض صاحب الدين والخلق -بشرط ألا يكون الرفض بسبب دينه أو خلقه- لأن الأحاديث وإن كان فيها الأمر بتزويج صاحب الدين والخلق والتزوج بذات الدين إلا أنه لا مانع شرعاً من النظر إلى بعض الأمور الأخرى كالمال والجمال والبكارة ونحو ذلك، وفي السنة ما يدل على هذا المعنى، فقد ثبت استحباب نكاح البكر، ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر: تزوجت؟ قال: نعم، قال: أبكراً أم ثيباً؟ قلت: ثيباً، قال: فأين أنت من العذارى ولعابها؟. وفي رواية: فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟. وفي رواية: فهلا تزوجت بكراً تضاحكك وتضاحكها وتلاعبك وتلاعبها؟. قال النووي: وفيه فضيلة تزوج الأبكار وثوابهن أفضل.
وفي صحيح مسلم أيضاً أن فاطمة بنت قيس طلقت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا حللت فآذنيني. قالت: فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد. فعلل صلى الله عليه وسلم رفضه لمعاوية بأنه لا مال له، وعلل رفضه لأبي جهم بأنه شديد الطباع، كثير الضرب للنساء، فكل هذه أمور زائدة على الدين ولا مانع من اعتبارها والنظر إليها بشرط ألا تكون هي الأساس بل تكون مع الدين من باب التتمة والتكميل، أما لو تعارضت مع الدين فإنه لا شك في تقديم صاحب الدين حينئذ، وعلى ذلك فلو رفضت بعض الشباب لعدم مواءمتهم لك في تفكيرك وعقلك فلا حرج عليك، ولكن لا ينبغي المبالغة في الصفات المطلوبة لأن وجود من جمع صفات الخير كالكبريت الأحمر.
وأما ما تسألين عنه من العزوف عن الزواج لأجل ما تذكرين من مصالح، فلا ننصحك به لأن الزواج هدي النبيين وسنة المرسلين، قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً {الرعد:38}، وقال صلى الله عليه وسلم: .. لكني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني. متفق عليه من حديث أنس. وقال صلى الله عليه وسلم: تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى. رواه البيهقي وصححه الألباني. وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 99134.
والله أعلم.