الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالواجبُ عليكَ أولاً توبةٌ نصوح تغسلُ عنكَ بها معرّةَ هذا الذنب، وتمحو بها تبعته، فإن آخذ الرشوة ملعونٌ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي يظهر أنكَ على قدرٍ من العلم والاطلاع، والمصيبةُ كل المصيبة في علمٍ لا يشفعه صاحبه بالعمل، ولا يقرنه بالتطبيق، وإن علماً بلا عمل كشجرٍ بلا ثمر.
فعليكَ أن تستغفر الله مما فرطَ منك، وأن تعمل بمقتضى علمك، وما نظنك إلا ستفعل إن شاء الله، فإنكَ فيما يبدو راغب في الخير والصلاح.
واعلم أن أكل الحرام ذو عواقب وخيمة، ولعل من أهمها أنه يمنع إجابة الدعاء، كما صح في تمام الحديث الذي ذكرتَ أوله في السؤال.
والذي يظهرُ لنا أن مالكَ مُختلط وليسَ جميعه محرماً، فإنك تتقاضى راتباً من الجهة التي تعملُ فيها وهو مباح، وعلى كل حال فالصلاة التي صليتها في ثيابٍ اكتسبتها من أموالٍ محرمة أو على فُرُشٍ اكتسبتها من أموال محرمة صحيحةٌ عند الجماهير، وكذا المحاضرات التي استمعت إليها فإنك لا تُحرمُ ثوابها إن شاء الله، وذلك لانفكاك الجهة، فإن الإثم إنما يتعلقُ باكتساب الحرام لا بالصلاةِ والاستماع، وشرطُ حصولِ هذا الثوابِ تاماً أن تتوبَ إلى الله توبةً نصوحا كما ذكرنا ، ومن تمام التوبة أن تتخلصَ من هذا المال المحرم الذي اكتسبته، فتحسبَ جميعَ ما أخذته من رِشوة ثم تطهر منه مالك، وقد فصلنا هذه المسألةَ في الفتوى رقم: 64384 .
وأما دفعُكَ الرشوة للانتقال من هذا العمل فلا نرى ذلك سائغا لك، لأنها ليست ضرورة تُبيح دفع الرشوة، ثم إنك إن تركت هذا العمل فإن الغالب أنه سيخلفكَ فيه من لا يتقي الله عز وجل ويتجاسرُ على أكل الحرام، بل ينبغي عليكَ أن تبقى في عملك، وعليك أن تُجاهد نفسك على التعفف وترك التكسب المحرم، وأن تذكر نفسكَ دائماً باللعنة التي تُصاحب آكل الرشوة حيثُ حل أو ارتحل، وعليكَ أن تجتهد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومناصحة زملائك الذين يتساهلون في هذا الأمر الخطير، فإذا لم ينتصحوا فارفع أمرهم إلى المسؤولين، وعليكَ أن تستعينَ بالله عز وجل، وتجتهدَ في دعائه بأن يغفر لك ما قد سلف، وأن يعينكَ ويثبتكَ فيما بقي.
والله أعلم.