الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد أمر الله تعالى باختيار أحسن الكلام، حسما لمادة العداوة التي يتلقفها الشيطان فينزغ بها بين الناس، قال تعالى: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا {الإسراء:53}.
قال السعدي: هذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما. والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح، فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره.
وقوله: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ، أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم. فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير، وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم السعي في صد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها، فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم. اهـ.
وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة كلية تُعدُّ ميزانا حاسما في الكلام، فقال صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت. متفق عليه.
وكلمة (أكسر عظمك) وأمثالها إن وزنت بهذا الميزان فلن ينطق بها قائلها، فليست هي من الخير في شيء، بل إنها تجمع بين ترويع المسلم، وإفساد ذات البين، وغير ذلك من المساوئ التي نهى عنها الشرع.
ومن جملة التوبة: استعفاء المظلوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. رواه البخاري.
ومن أهم الحسنات هنا: إصلاح ذات البين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة .. صلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة. رواه الترمذي وصححه وأبو داود وأحمد، وصححه الألباني.
وأخيرا ننبه على أن الاستسلام لأثر الغضب من أكثر ما يحمل الناس على مخالفة الهدي النبوي والوقوع في الخطأ، ولذلك لما جاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أوصني، قال له صلى الله عليه وسلم: لا تغضب فردد مرارا، قال: لا تغضب. رواه البخاري.
واستوصاه رجل آخر فأوصاه صلى الله عليه وسلم بالوصية نفسها، فقال الرجل: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله. قال المنذري: رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح. وصححه الألباني.
والله أعلم.