الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الأذكارَ قد تثبتُ بالسنة القولية بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بها أو ذكره ثواباً معيناً لمن قالها، وقد تثبتُ بالسنة الفعلية، وذلك بأن ينقلُ أحد الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقولُ كذا في وقتِ كذا. وما ثبت بأحد الطريقين فإنه سنة ينبغي للمسلم الحفاظ عليه وعدمُ الإخلالُ به ما أمكنه، ولا يلزمُ أن تثبتَ الأذكار بالطريقين معاً نعني القول والفعل لتكونَ مشروعة، ولا قائل بهذا من العلماء.
ومن أمثلة ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه أصحابه أمره بالتسبيحِ والتحميد والتكبير ثلاثاً وثلاثين دبر كل صلاة، وأن يقول تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، فإن من قال هذا دبر الصلاة غُفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وهذا متفقٌ عليه، ولا نعلم حديثا يصرح بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الذكر دُبر الصلاة، وهذا لا يعني أنه لم يكن يفعله.
وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم: كان إذا انصرفَ من صلاته استغفرَ ثلاثاً وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والإكرام.
ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم ترغيبٌ قولي في هذا الذكر، ولا ذكر ثوابٍ معينٍ له، ونظير هذا في أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم كثير، وإيراد الأمثلة وسردها مما يطولُ جداً ولا يمكننا الجزم بأنه كان يفعلها كلها أو يختار منها.
وخلاصةُ المقام أن الذي ينبغي للمسلم هو أن يحرصَ ما أمكنه على الإتيان بما يمكنه مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار في المواطن المختلفة، سواءً كان ثبوته بالسنة القولية أو الفعلية، وكلما استكثرَ العبدُ من هذه الأذكار كان ثوابه أتم وأجره أوفر، وإذا استطاع الإتيان بجميعِ الثابت فهو أولى، وإذا تضيقَ الحال ولم يستطع إلا الإتيان ببعض ذلك فهو خيرٌ من الترك، وينبغي في هذه الحال أن يُقدم الأهم على المهم، والأفضلَ على الفاضل وفقَ مرجحاتٍ بينها أهل العلم، فالأصح يُقدمُ على الصحيح، وذو الثواب الأكبر يقدمُ على ما عداه، وهكذا ، والله المسؤول أن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
والله أعلم.