الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد ذكرت أيها السائل أنك قد عقدت عقد النكاح على هذه المرأة، ولم تذكر لنا هل حصل بعد العقد خلوة بها أم لا؟ فإن كنت قد اختليت بها خلوة صحيحة يمكن فيها الوطء عادة، فالراجح من أقوال أهل العلم أن هذه الخلوة تقرر للمرأة المهر كله. وحينئذ فلو طلقت فأنت ملزم بدفع جميع المهر لها مقدمه ومؤخره.
ودليل ذلك ما رواه الإمام أحمد بإسناده إلى زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب المهر ووجبت العدة. انتهى. وقال العلامة الخرقي وهو من علماء الحنابلة: وإذا خلا بها بعد العقد فقال لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما، وكان حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما انتهى، ومعنى الخلوة الشرعية عند الفقهاء انفراد الزوجين في مكان يمكن فيه الجماع بينهما ولو لم يحصل.
أما إذا كنت لم تختل بها وطلقتها فإن لها نصف جميع المهر المسمى مقدمه ومؤخره بما في ذلك الشبكة لأنك قد ذكرت أن العرف في بلدكم أن الشبكة تعد من المهر. قال تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة : 237}.
فيلزمك حينئذ نصف المهر المسمى حقيقة، ولا عبرة بما افتراه عليك عم زوجتك من مهر كبير لم تتفقا عليه .
ويستحب أن يعفو أحد الزوجين عن النصف الواجب له لصاحبه لقوله تعالى: وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم.
ونشير إلى أن هذه الزوجة تستحق وصف النشوز وحكمه، فلك أن تمتنع عن طلاقها حتى تختلع وتفدي نفسها منك بالمال الذي تتفقان عليه، سواء كان مساويا لما أعطيته لها أو أقل أو أكثر.
قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: وأجمع العلماء على إجازة الخلع بالصداق الذي أصدقها إذا لم يكن مضرا بها وخافا ألا يقيما حدود الله. واختلفوا في الخلع على أكثر مما أعطاها فذهب مالك والشافعي إلى جواز الخلع بقليل المال وكثيره وبأكثر من الصداق وبمالها كله إذا كان ذلك من قبلها. قال مالك لم أزل أسمع إجازة الفدية بأكثر من الصداق لقول الله تعالى: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِه {البقرة: 229}، ولحديث حبيبة بنت سهل مع ثابت بن قيس. قال: فإذا كان النشوز من قبلها جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع، وإن كان أكثر من الصداق إذا رضيت بذلك وكان لم يضر بها، فإن كان لخوف ضرره أو لظلم ظلمها أو أضر بها لم يجز له أخذه وإن أخذ شيئا منها على هذا الوجه رده ومضى الخلع عليه. اهــ
وقد مضى تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 73322. ومن هذه الفتوى ستعلم تفصيل الإجابة عن الجزئية الأخيرة في سؤالك، وهي مقدار ما تأخذه أنت مقابل إتمام الخلع. وللفائدة تراجع الفتويين: 108422، 98384 .
والله أعلم.