الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فكم انتهكت أيها السائل من حرمات الله وكم ضيعت من حقوقه وفرطت في جنبه وتعديت حدوده بهذا الفعل الآثم القبيح, فإن الزنا بالأجنبية كبيرة من الكبائر التي حرمها الله تعالى على عباده، بل حرم القرب منها والوقوع في دواعيها ومقدماتها، ووصفها بأقبح وصف فقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32}.
أما الزنا بالمحارم فإنه أعظم جرما وأشد قبحا, فقد روى أحمد في مسنده و الحاكم في مستدركه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وقع على ذات محرم فاقتلوه. وقال الحاكم في المستدرك: صحيح ولم يخرجاه. وقال ابن حجر في الزواجر عند سياق هذا الحديث: وأعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم. انتهى.
وإذا كنت تعلم أن خالتك هذه كلما ذهبت لزيارتها راودتك عن نفسك حتى توقعك في هذه الفاحشة فهلا تركت زيارتها إذ علمت هذا من حالها, بل وهلا تركت رؤيتها ومحادثتها وهجرتها هجرا قاطعا فلا تراك ولا تراها سدا لباب الفاحشة وصرفا لإغواء الشيطان.
فالواجب عليك الآن هو المسارعة بالتوبة الصادقة إلى مولاك, والندم على ما كان من فواحش وآثام وأن تبكي على ذنوبك بدل الدموع دما, لعل مولاك يرى صدقك فيرحمك ويغفر لك, قال سبحانه: لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {التوبة : 110} والمعنى إلا أن تقطع قلوبهم من الندم والحسرة على ما كان منهم. قال السعدي رحمه الله: إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ بأن يندموا غاية الندم ويتوبوا إلى ربهم، ويخافوه غاية الخوف، فبذلك يعفو اللّه عنهم.
ثم بعد ذلك عليك بهجر خالتيك هاتين تماما فلا تزرهما ولا يزورانك ولا تجتمع معهما في مكان, ولا يغرنك الشيطان بأنهما من أرحامك فتجب لهما الصلة، كلا فصلتهما لا تجب ولا تستحب بل تحرم طالما أنها ستوقعكم في هذه الجريمة المنكرة, فإن الذرائع التي يغلب على الظن أنها ستفضي للحرام يجب سدها, يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها؛ كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرَّمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها، بحسب إفضائها إلى غاياتها، وارتباطها بها. انتهى. وهذا الهجر ليس من الهجر الذي نهت عنه الشريعة بإجماع العلماء.
قال ابن عبد البر رحمه الله: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى. وقال ابنُ حَجَر في الفتح: ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلى أنه لا يُسَلَّم على الْمُبتَدِع ولاَ الفاسق. انتهى.
وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 29514، 75708، 44212 .
والله أعلم.