الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله أن ينقذنا وإياك من الغفلة، ثم اعلمي أن الله تعالى قال: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {التوبة:102}.
وفهم ما سألت عنه يتضح بمعرفة عقيدة أهل السنة في أمر الثواب والعقاب، فإن من رجحت حسناته على سيئاته بواحدة فهو من أهل السعادة، ومن رجحت سيئاته على حسناته كان تحت مشيئة الله عز وجل إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، وما ذكرته من الأعمال الصالحة هي خير بلا شك يثاب عليها فاعلها، ولكنه إذا كان يضيع الصلاة فإن تضييع الصلاة الواحدة إثم عظيم أعظم من الزنا والسرقة وشرب الخمر وقتل النفس بإجماع المسلمين كما نقله ابن القيم في أول كتاب الصلاة، فيخشى على من هذه حاله أن يذهب ثوابه ويحبط عمله عندما يوزن إثم تركه للصلاة مع مثوبة تلك الأعمال، فيخشى أن يخف ميزان حسناته بسبب ثقل تبعاته.
وأما إذا كان يتوب وينيب إلى ربه عز وجل فيستدرك ما فرط من التقصير وذلك بقضاء ما ضيع من صلوات عند الجمهور وبالإكثار من النوافل والاستغفار عند جماعة من أهل العلم، وإذا اجتهد مع ذلك في إتباع السيئة الحسنة والاستقامة فيما يقبل من أيامه على طريق الله عز وجل فإن الله عز وجل يعفو عنه ويحط عنه تبعة وزره ذاك، كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {الشورى:25}، ومن ترك الصلاة نسياناً فإنه لا يأثم ويجب عليه أن يصليها إذا ذكرها إجماعاً، وأما الزعم بأنه يتركها انشغالاً عنها فإن كل شغل يلهي عن الصلاة هو شغل على العبد لا له، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {المنافقون:9}، فليحذر المؤمن سخط ربه وعقابه وإذا كان يرجو رؤية وجه الله حقاً فإنه لا بُد له من أن يأخذ بأسباب نيل ذلك المقصد الذي لا أعظم منه، وذلك بالاجتهاد في الطاعة والانكفاف عن المعصية، فإن النتائج إنما تنال بالأسباب، وأما ترك العمل بزعم أنه يحب الله ويرجو ثوابه ويخاف عقابه فهو علامة الخذلان، وحال هذا شر من حال من طلب الولد ولم يأخذ بأسباب تحصيله من النكاح وتوابعه.
وأما محبة الخلق للعبد فهي علامة خير بلا شك والحديث المشار إليه صحيح ثابت: إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض.
ولكن لا بد من أن يعلم أن الناس المعتبر حبهم للعبد وكون ذلك علامة خير له هم أهل الصلاح والتقوى لا عموم الناس ممن عرف بالفسق والفجور، فهؤلاء نعني أهل الدين هم الذين يفرح المرء إذا وضع له القبول فيهم، ويحزن إذا لم يكن ذلك لأنهم يزنون بميزان الله عز وجل، فيعظمون من عظمه الله ورسوله ويحقرون من حقره الله ورسوله، وهم شهداء الله في أرضه كما نطق بذلك الحديث، إذا علمتِ هذا فأهل الدين لا يحبون إلا من يحرص على الاستقامة ويحافظ على الفرائض... ثم إن حديث المرأة التي بشرت بالنار لكونها كانت تؤذي جيرانها مع كونها تصوم وتقوم رواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني، فلا إشكال فيه إذا فهمناه على ضوء القاعدة المذكورة سابقاً وهي قاعدة الموازنة بين الحسنات والسيئات، ولا يلزم من كون هذه المرأة تدخل النار أنها تخلد فيها، بل هي إذا ماتت على التوحيد ودخلت النار فعذبت بما عليها من ذنب فمآلها إلى الجنة لتثاب بصالح أعمالها، وبهذا يزول الإشكال ويظهر أن المراد من الحديث بيان أن أذية الجار كبيرة يستحق صاحبها الوعيد.
والله أعلم.